أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمين مهمين، الأول يخص مجلس الشورى والثانى يخص الجمعية التأسيسية. قضت المحكمة بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشورى، وهو ذاته قانون انتخابات مجلس الشعب السابق الذى قضت بعدم دستوريته وترتب عليه حل مجلس الشعب. وقتها كانت إدارة البلاد بيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مستظلاً بإعلان دستورى سبق أن أصدره، وفى اليوم التالى مباشرة لحكم المحكمة أصدر رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة آنذاك قراراً بحل مجلس الشعب مستنداً إلى حيثيات أوردتها المحكمة الدستورية تفسيراً لحكمها. لكن الأمر تغير هذه المرة، فمع بطلان قانون انتخابات مجلس الشورى قضت المحكمة باستمرار مجلس الشورى إلى حين الانتهاء من انتخابات مجلس النواب الجديد. وقد يسأل سائل: لماذا تغيرت آثار الحكم رغم أنه واحد فى الحالتين؟ والإجابة سهلة وواضحة مؤداها أن دستوراً قد صدر بموافقة أغلبية المصوتين، وقد حصّن هذا الدستور مجلس الشورى من الحل وفقاً للمادة رقم (230) التى تنص على أن يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالى سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد. يعلق المعارضون لمجلس الشورى والذين كانوا يتمنون حله تماماً بأنه لولا الدستور لسقط المجلس، ويقول المؤيدون لبقاء مجلس الشورى إن الإرادة الشعبية التى حصنته تعلو فوق كل إرادة. خلاصة القول أنه لولا الدستور لعدنا إلى المربع صفر وما كان لدينا أى مجلس تشريعى، وساعتها كان التشريع سيئول إلى رئيس الجمهورية، فأيهما أفضل؛ أن ينفرد شخص واحد بالتشريع أم يختص بذلك مجلس يجمع أحزاباً عدة؟!
يتبارى الفريقان، المؤيد والمعارض، فى الانتصار لوجهة نظره كى يظهر أنه الفائز، فالمعارضة تقول إن القانون باطل وبناءً عليه فالمجلس باطل والتشريعات كلها باطلة، والمؤيدون يعلنون تمسكهم برأى الملايين الذين صوتوا لصالح الدستور وجعلوه وثيقة تعلو على ما عداها إعمالاً للمادة الخامسة من الدستور التى تنص على أن «السيادة للشعب يمارسها ويحميها، ويصون وحدته الوطنية، وهو مصدر السلطات». أظن أن هذه المادة حاسمة وتنهى كل جدل، فلا سلطة تعلو على الإرادة الشعبية.
أما الحكم الثانى للمحكمة الدستورية الذى يخص معايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، فقد قالت المحكمة فى حيثياتها إن المادة (60) من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 (والذى استند على الاستفتاء الشعبى الشهير الذى جرى فى 19 مارس 2011) نصت على أن ينتخب الأعضاء غير المعينين لمجلسى الشعب والشورى أعضاء الجمعية التأسيسية خلال مواعيد محددة، دون النص على أية أحكام أخرى يتعين الالتزام بها عند وضع الدستور الجديد للبلاد. وأكدت المحكمة أن هذه الصياغة تؤكد أن المشرع الدستورى أراد أن يخرج جميع مراحل إعداد مشروع الدستور الجديد دون تدخل أية سلطة من سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية باعتبار أن السلطة التأسيسية التى تختص بوضع الوثيقة الدستورية تعلو على جميع سلطات الدولة، ولا يتصور أن تخضع لرقابة أى سلطة أخرى. وأقول سبحان مغير الأحوال، فأين حكم القضاء الإدارى الذى أدى إلى حل التشكيل الأول للجمعية التأسيسية. لقد تغيرت الأحوال فتغيرت الأحكام وتغيرت الحيثيات. ألا يدعونا ذلك إلى التدقيق فى قانون السلطة القضائية؟! أرى ذلك، لكن الرأى الأخير للشعب ولنوابه.