فى كلمته عقب اجتماع مجلس الدفاع الوطنى، أعلن الرئيس السيسى عن تأسيس مجلس قومى أعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، وقد أثار هذا الإعلان ارتياحاً كبيراً لدى المصريين، فأخيراً سوف تتحرك الدولة المصرية لمواجهة ظاهرتَى الإرهاب والتطرف. وقد عبّر الكثير من الخبراء عن آمالهم فى أن يشكَّل هذا المجلس على نحو يمكّنه من أداء الدور المنوط به، وتوقفوا عند انتظار صدور قرار التشكيل حتى يعرفوا أعضاء هذا المجلس ومهامه والصلاحيات التى سوف يتمتع بها.
بالقطع تعانى بلادنا من حالة متفاقمة من التطرف والتشدد الذى تغذّى عبر عشرات السنين بفعل كتب تراث قديمة، ومناهج تعليم عام خضع لسيطرة عناصر الجماعة الإرهابية منذ أن أفرج عنهم السادات فى بداية السبعينيات وسمح للقيادات والكوادر بالعودة من دول الخليج وتحديداً السعودية، ومنذ أن سمحت الدولة بتعليم دينى بعيد عن رقابتها حتى إنه تعامل مع تحية علم البلاد على أنه كفر بواح.
المؤكد أننا اليوم فى انتظار تشكيل المجلس القومى الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، ومن عناصر تشكيله سوف تتضح الجدية فى التعامل مع هذا الملف الخطير الذى بات يهدد مصر وحياة المصريين، نريد مجلساً يضم الخبراء والمتخصصين فى مجالات التعليم، والإعلام، والفلسفة، وعلم النفس، والكتّاب والمفكرين، وأن تُمنح لهم الصلاحيات الكاملة لمراجعة مناهج التعليم الخاص والدينى وتنقية ما بها من شوائب تلوث قيمة المواطنة والمساواة وكافة القيم الإنسانية من حرية وعدل وأيضاً إعمال العقل. تمنح لهم صلاحيات كاملة فى وضع مناهج تعليم جديدة استقاء من تجارب الشعوب الناجحة وتحديداً التجربتين الألمانية واليابانية. فى الوقت نفسه يتولى المجلس وضع خطة شاملة للنهوض بالإعلام المصرى ووضع أطر عامة لما يجوز وما لا يجوز من أرضية وطنية خالصة، فلا يمكن لدولة أن تنهض وهناك إعلام ينهش فى عرضها ليل نهار، يشكك فى كل خطوة ويقدم كل ما هو سيئ وسلبى فيخلق حالة من الإحباط العام. أيضاً وهو الأمر الأهم والأخطر أن تكون للمجلس القومى الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف صلاحيات متابعة الخطاب الدينى وكل من يقوم على توصيل رسالة الدين من دور العبادة وعلى شاشات الفضائيات حتى يمكن مواجهة كل من ينشر خطاب الكراهية ويحض على التطرف ويشجع على الإرهاب.
وفى تقديرى أن بلدنا فى مفترق طرق، وفى لحظة حاسمة وستكون فارقة فى تاريخ بلدنا، فلأول مرة منذ عام ١٩٥٢ تتحرك الدولة المصرية من أعلى مستوى من أجل وضع خطة شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف، نعم ستكون هناك مقاومة من دوائر عديدة لا تريد أى تدخل من قبَل الدولة فى المجال الذى تنفرد بالهيمنة عليه، نعم هناك كتّاب وصحفيون ورجال إعلام لديهم روابطهم مع هذه الدوائر، ومن ثم سوف يقاومون هذا التوجه بكل قوة، سوف يتلاعبون بالنصوص والقوانين بما فيها نصوص الدستور من أجل مقاومة هذا التوجه وتقليص صلاحيات المجلس الجديد الذى دعا إليه الرئيس وتفريغه من أى مضمون ومحتوى حقيقى، اعتدنا على السير خطوة إلى الأمام ثم خطوات إلى الخلف، ولأول مرة لدينا رؤية للسير بخطى ثابتة إلى الأمام، وهو ما يصدم أنصار التطرف والتشدد ومنظريهم، القضية هنا هى الإرادة السياسية فى السير قدماً باتجاه الحضارة الإنسانية وقيمها الراقية، فمصر وشعبها تستحق مكانة متقدمة على مقاييس الرقى الإنسانى، وهو ما يتحقق فى حال نجاح المجلس القومى الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف فى مهامه.