أعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية بإيران مساء يوم السبت الماضى وفاز فيها المرشح الإصلاحى (حسن روحانى) متخطياً خمسة من المرشحين «المحافظين»، واللافت للنظر أن الرئيس المنتخب فاز من الجولة الأولى دون حاجة إلى الدخول فى جولة إعادة، حيث حصل على نسبة تقترب من 51% من الأصوات الصحيحة للناخبين التى بلغت 70% من إجمالى من لهم حق التصويت، ومعلوم أن الرئيس المنتهية ولايته «أحمدى نجاد» ينتمى إلى تيار المحافظين، وواجهته اعتراضات كثيرة ومظاهرات صاخبة وبصفة خاصة بعد فوزه بولاية ثانية مدتها أربع سنوات وكان ذلك عام 2009. وكانت الاعتراضات والمظاهرات نابعة أصلاً من التيار الإصلاحى الذى كسب قطاعات واسعة من الناخبين الإيرانيين وبصفة خاصة من الشباب. ولقد نظم الإصلاحيون صفوفهم انتظاراً للانتخابات الرئاسية الجديدة التى جرت مطلع الأسبوع الحالى، وتقدموا بمرشح واحد بينما لم يستطع التيار المحافظ تنظيم صفوفه فتقدم منه خمسة مرشحين، وكان الرهان الأساسى للإصلاحيين أن يفوزوا من الجولة الأولى لأنهم لو دخلوا إلى مرحلة الإعادة فسوف يتكتل المحافظون مع مرشحهم الذى سيخوض المنافسة مع حسن روحانى، ومن ثم قد تتضاءل فرصة فوز الإصلاحيين. لكن بمهارة كبيرة استطاع التيار الإصلاحى أن ينظم صفوفه وأن يستفيد من تأييد الرئيسين الأسبقين: هاشمى رفسنجانى ومحمد على خاتمى، فتحقق له ما أراد من فوز مرشحه الإصلاحى حسن روحانى (وهو بالمناسبة رجل دين مثل رفسنجانى وخاتمى).
ورغم أن الديمقراطية فى إيران مقيدة، حيث يتم شطب بعض المرشحين بواسطة مجلس تشخيص النظام دون إبداء الأسباب، لكن يمكن رصد بعض الأمور الإيجابية فى الانتخابات الإيرانية. أولها ذلك الاصطفاف حول القضايا القومية مثل حق إيران فى تطوير قدراتها النووية رغم الحصار الغربى، ثانيها ذلك الاحترام الواضح لأسس الديمقراطية، فلقد صمد التيار الإصلاحى لمدة ثمانى سنوات حتى انتزع الرئاسة من يد المحافظين عبر آليات الديمقراطية التى يتوجها التصويت فى صناديق شفافة، ثالثها ذلك الإقبال الكثيف على الانتخابات الذى تتجاوز نسبته أى نسبة أخرى فى الديمقراطيات العريقة.
وفى محاولة لعقد مقارنة بين الوضع الإيرانى والحالة المصرية نجد فروقاً شاسعة منها غياب الحس الوطنى الذى يجمع الأطراف السياسية المصرية حول القضايا القومية (مثل السد الإثيوبى وأمن سيناء)، كما أن «المتمردين» أو الذين يقودون حملة تمرد لا يعيرون النصوص الدستورية ولا الإجراءات الديمقراطية أدنى اهتمام، والفرقاء السياسيون عندنا يتحدثون باسم الشعب وكأن معهم تفويضاً بذلك بينما الشعب فى كل استفتاء أو انتخاب يستطيع أن يعبر عن نفسه.
وثمة فارق مهم بين الحالة الإيرانية والحراك المصرى، فهناك لا تجد عنفاً ولا تسمع تهديداً به، بينما نجد وللأسف الشديد من يعمل جاهداً على جر البلاد إلى تلك الدائرة الجهنمية التى تسيل فيها دماءٌ طاهرة، فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى كل قطرة عرق (وليس قطرة دم) من أجل الإنتاج والقضاء على المشاكل المزمنة التى نعانى منها. وليت أعضاء ومناصرى حملتى «تمرد» و«تجرد» بنفس حماسهم الذى رأيناه قد تصدوا لحملة قومية مثل محو الأمية. أليس ذلك أجدى وأنفع أم أن الخلاف السياسى قد أسدل ستائر داكنة حجبت الرؤية عن المصالح القومية المتفق عليها؟