«الآثار» اهتمت بتماثيل «المطرية» المدفونة وأهملت القطع القديمة
مسلة «سنوسرت» الشهيرة محاطة بكوم من القمامة
مع الإعلان عن اكتشاف تمثال رمسيس الثانى فى منطقة سوق الخميس بالمطرية، قامت الدنيا ولم تقعد بعد اتهام وزارة الآثار بعدم اتباع الأساليب العلمية والحضارية فى عملية رفع رأس التمثال من الطين، حيث ثارت موجة حادة من الانتقادات اللاذعة للوزارة، لكن وزير الآثار الدكتور خالد عنانى، رد على هذه الاتهامات غاضباً، وقال إن الوزارة اتبعت كل الأساليب العلمية أثناء رفع التمثال بناء على تعليمات البعثة الألمانية، وقال إن العالم أجمع يتابع أخبار اكتشاف تمثال رمسيس الثانى، مضيفاً «عملنا ضجة لمدة 4 أيام ملهاش أى لازمة، والعالم كله فرحان إلا إحنا» وخاطب أهالى المطرية قائلاً «منطقتكم حديث العالم».
«حسن»: «كل الأعمال المخالفة تتم فى مقلب الزبالة الكبير بجوار المسلة.. والمطرية مليانة آثار».. و«كرار»: «وزير الآثار يهتم بالشو الإعلامى ويترك الآثار المكتشفة دون أى اهتمام»
حديث وزير الآثار الذى غضب من وسائل الإعلام، وتعليقات المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعى غير واقعى تماماً، ففى الوقت الذى كان يتحدث فيه الوزير عن اتباع الأساليب العلمية فى عملية رفع رأس التمثال، مفتخراً بالاكتشاف الجديد، ومقللاً من الانتقادات الحادة الموجهة إليه من موقع الاكتشاف الأثرى بالمطرية، كان يعلم جيداً أن ثمة مناطق أثرية فرعونية متناثرة ولا تبعد عنه سوى أمتار قليلة، تعانى من إهمال شديد وتعديات صارخة، حيث تقع منطقة أبوالهول الأثرية الصغيرة على بعد 50 متراً من منطقة اكتشاف تمثال رمسيس الثانى، وهى منطقة مهملة ومنخفضة عن الأرض، ويعتبرها الأهالى مقلب قمامة بعد أن انتشرت بها نباتات الهيش والخوص رغم ظهور الأعمدة الأثرية والرسومات المنقوشة عليها بوضوح فى منطقة منخفضة عن مستوى الشارع.
«الوطن» أجرت جولة ميدانية فى حى المطرية لرصد حجم إهمال الحكومة، ووزارة الآثار للقطع الفرعونية التى لا تقدر بثمن، والمنتشرة فى أرجاء المنطقة، وألقى اكتشاف تمثال رمسيس الثانى بمنطقة سوق الخميس الضوء على أهمية آثار المنطقة المكتشفة قديماً وحديثاً، وتعد منطقة «مسلة سنوسرت» من أهم وأشهر المناطق الأثرية فى المطرية، خاصة بعد الاهتمام بها من قبل وزارة الآثار وإحاطتها بسور خرسانى للحفاظ عليها من التعديات وإلقاء القمامة، لكن المنطقة التى تحتوى على مسلة مرتفعة وبعض التماثيل الحجرية الصغيرة، ولم يتم افتتاحها أمام الجمهور حتى الآن، تعانى من إحاطة تلال القمامة بها، وتصدر عن هذه الأكوام رائحة كريهة جداً ممزوجة بالأدخنة الضارة، ويستطيع زائر المنطقة شم هذه الرائحة الكريهة التى تزكم الأنوف بسهولة أثناء دخوله بوابة مسلة سونسرت.
وداخل منطقة مسلة سنوسرت الأثرية يوجد عدة مكاتب إدارية ومكاتب لأفراد شرطة السياحة، وفيما تبدو المنطقة الأثرية جميلة من الداخل فإن الأغنام والماعز والقمامة والمبانى العشوائية تشوهها من خارج الأسوار وتجعلها قطعة من نار، كما يحيط بالمنطقة الأثرية العديد من جراجات السيارات، وملاعب كرة القدم الخماسية وعدد من العمارات القديمة.
يقول على حسن، رجل ستينى من أبناء المطرية: «منطقة عرب الحصن كانت تبع مصلحة السجون بوزارة الداخلية وبعد كده السجون سابتها للأوقاف بعد ما كسبت قضية الأرض، ومساحتها أكثر من 54 فداناً، المنطقة كلها مليانة آثار والناس عارفة كده، وبعد ما الداخلية سابت الأرض للأوقاف الناس حولتها لجراجات ومقالب زبالة، أى واحد بيهد بيته بينقل مخلفات البناء لهنا، ده غير مقالب القمامة بتاعة البيوت اللى ريحتها بتقلب المكان خصوصاً فى الصيف، وأى واحد يقدر يشوف الغنم وهى بتاكل منها جنب السور، الأرض فاضية ومش عليها سور والناس بتعمل اللى هى عاوزاه، كل الأعمال المخالفة تتم فى قلب مقلب الزبالة الكبير ده اللى ارتفاعه بيصل أحياناً إلى أكثر من ارتفاع المسلة نفسها وبيشوه منظرها، الناس للأسف ما يهمهاش إلا الأكل والشرب، وآخر حاجة يفكروا فيها المحافظة على الآثار، لأنها بالنسبة لهم كتيرة وموجودة فى كل حتة، وبيشجعهم على ده إهمال المسئولين للآثار، يعنى المطرية فيها أكتر من منطقة أثرية مهملة، وحصل فيها تعديات أهمها عرب الحصن وآثار التل وتمثال أبوالهول»، ويضيف حسن: «الحى مأجر الجراجات والنادى وسايب الزبالة والمقلب الكبير ده زى ما هو، لأن المنطقة هنا تعتبر عشوائية، وأبسط دليل على عشوائية المنطقة، شكل سيارات الأجرة اللى شغالة بدون لوحات معدنية، وشكلها سيئ جداً، وشارع وسط البلد اللى بوابة المسلة بتقع عليه، زحمة طول الوقت وفيه عربيات بتمشى عكس الاتجاه، ده غير الورش اللى فيه، ده مش ذنب وزارة الآثار، لكن مسئولية الاهتمام بالمنطقة تقع على عاتق الحى والحكومة، لأن قطع الآثار ملك الحكومة قبل ما تكون ملك وزارة الآثار، ويشير الرجل الستينى إلى موقع عمارة سكنية تم هدمها بالقرب من منطقة المسلة الأثرية وقال «العمارة دى كانت مساحتها 1700 متر، و12 دور، لكن الحكومة أزالتها لأنها كانت مخالفة وبها تعدى على أملاك الدولة، وفيه منطقة أثرية اسمها الشيخة فايقة مساحتها فدان ونص يعنى 20 ألف متر، تم التعدى عليها وتم البناء عليها بعد ثورة يناير».
فى الجهة المقابلة لمسلة المطرية الشهيرة تقع منطقة أبوالهول الأثرية، وهى منطقة منخفضة عن مستوى الشارع بنحو مترين ويحيط بها الهيش والنبات الأخضر من كل جانب وتتوسط الكتل الخرسانية، ولا تكاد تظهر بوضوح للمارة إلا عند الاقتراب منها، وسميت بهذا الاسم نظراً لوجود تمثال أبوالهول ذات اللون الأصفر بها، يعانى التمثال من تآكل شديد بسبب الرطوبة والصرف الصحى، ورغم ذلك لم يتم نقله إلى متحف تابع للآثار لترميمه، مثل باقى الأعمدة التى تظهر عليها النقوش الفرعونية بوضوح كبير.
ويشير حسين محمد، شاب عشرينى، إلى المنطقة المنخفضة، ويقول بنبرة مرتفعة ممزوجة بالغضب «احنا شغالين هنا من 4 سنين وطول المدة دى مفيش حاجة اتغيرت، الزبالة بتحاصر الآثار طول الوقت، واللى الحى بيعمله بس هو إنه بيقوم شايل الزبالة وقاصص الهيش أو الخوص ده لأنه بيغطى الآثار، فيه غفير أو اتنين بيحرسوا المنطقة، لكنهم غير موجودين بصفة دائمة وليهم عشة خشب شكلها وحش جداً، ولا تليق بالآثار الموجودة هنا، احنا اللى بنحرس المنطقة دى ومحدش بيقدر يقرب من الآثار طول ما احنا هنا، الناس كلها اهتمت بالتمثال اللى طلعوه من تحت الأرض، وسابوا الآثار اللى فوق الأرض، ولما خرجوا التمثال من الطين، نضفوه بالقطن ومعدات خفيفة عشان يقولوا إنهم خايفين عليه وبيهتموا بالآثار، مع إن تمثال أبوالهول على وش الأرض وبينه وبين موقع اكتشاف التمثال 50 متر فقط، والرسومات الفرعونية واضحة جداً على الأعمدة القديمة اللى لسه بحالتها لحد النهارده».
إهمال آثار المطرية ليس وليد اللحظة، لكنه ممتد منذ عشرات السنين وقبل فترة الانفلات الأمنى بعدة سنوات، حيث حمل الخطاب رقم 58 بتاريخ 28-5-2008 وموقع عليه من مدير المنطقة الأثرية، وكبير المفتشين يفيد بوجود آثار حريق على الكتلة الحجرية الجرانيتية المنقوشة بالهيروغليفية، وتمثال أبوالهول الذى تراكمت عليه الأملاح والرطوبة، وزادت نسبتها نتيجة صرف الأرض الزراعية المجاورة لموقع التمثال، ورغم تقديم هذا الخطاب إلى الوزارة منذ 9 أعوام إلا أن هذه الآثار كما هى بدون ترميم، بل ومعرضة للمزيد من التآكل بفضل عوامل التعرية والرطوبة. ويقول أسامة كرار، منسق حركة الدفاع عن الآثار «اهتم وزير الآثار بالتمثال المكتشف، الذى تم استخراجه من باطن الأرض، وقام بعمل تسويق جيد وأبدى اهتماماً كبيراً بالتمثال المكسور، لكنه لم يعر أى اهتمام للتماثيل والآثار الأخرى المكتشفة منذ عقود، وتتعرض لإهمال متعمد على مدار الساعة، وهى آثار لا تقل أهمية عن التمثال المكتشف حديثاً، حيث سمحت وزارته بترك الأرض الأثرية المهمة لبناء الأهالى والحكومة عليها، وأرض المطرية بها معبد كبير مدفون أكبر من معبد الكرنك»، ويضيف كرار «وضع الآثار الفرعونية وغير الفرعونية بالقاهرة خطير جداً، فمنطقة التل وأبوالهول، وكل آثار عرب الحصن، وميت رهينة، تعانى من إهمال متعمد وجهل واضح بأهمية الآثار الموجودة بها، وقبل 50 عاماً قام عبدالحليم حافظ بتصوير أحد أفلامه فى المطرية بجانب الآثار وكانت صورتها رائعة جداً، وحتى مسلة سنوسرت المحاطة بسور جيد وخضعت لتطوير محاطة بقمامة هائلة من جميع الجهات».