ينطلق قطار الزمن متنقلاً من محطة إلى أخرى، وإذا خلت الأيام من الأحداث شعر الناس أن القطار بطىء فى حركته، أما إذا امتلأت أيام الزمان بالأحداث فإن قطار الزمن يحدث أصواتاً عالية تعبيراً عن سرعة انطلاقه. هذا ما يحسه الجميع بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث كثرة الأحداث والحوادث، ويأتى الثلث الأخير من شهر يونيو الحالى (2013) نموذجاً لقطار مصر السريع الذى ينطلق بأقصى سرعة. ففى يوم الجمعة 21/ 6 احتشدت الملايين المؤيدة لرئيس الجمهورية فى فعالية «لا للعنف»، وعلى المستوى المادى لم يحدث عنف مطلقاً، وقد انعقدت المليونية ثم انفضت دون حدوث أى إصابات فى الأشخاص، أو أى تعدٍّ على الممتلكات العامة والخاصة، بل تم تنظيف ميدان رابعة العدوية الذى شهد المليونية وشهد سيولة مرورية واضحة بعد انتهاء الفعالية، ولا يستطيع أحد أن ينكر السلوك الحضارى للمشاركين رغم حدوث «بعض التجاوزات» اللفظية التى صدرت من «بعض المتحدثين»، التى لولاها لكانت المليونية نموذجية بامتياز.
وفى يوم الأحد 22/ 6 /2013 تقدم المهندس عادل الخياط باستقالته من منصبه كمحافظ للأقصر منحازاً بذلك إلى فكرة «عدم الاحتراب» بين أبناء الشعب من أجل منصب سيزول حتماً. وقصة تعيين سيادته فى هذا المنصب معروفة إذ رشحه حزبه «البناء والتنمية» كى يكون محافظاً، ولم يحدد الحزب نفسه المحافظة التى يمكن ترشيحه لها، بل إن الحزب استغرب اختيار محافظة الأقصر لطبيعتها السياحية التى يظن البعض أنها تتعارض مع توجهات حزب البناء والتنمية، ومعلوم أن اعتراضات كثيرة حدثت من أبناء مدينة الأقصر ومن العاملين بالسياحة منعت المحافظ الجديد من دخول ديوان عام المحافظة، ومع هذا تصرف المهندس عادل الخياط بحكمة وتعقل وقدم استقالته وأصبح هو -بذلك التصرف- أكبر من المنصب وحاز حزبه على مصداقية أعلى بين الجماهير نتيجة لتصرف يمكن وصفه أيضاً بالسياسة التى هى «فن الممكن».
إن كل المصريين يتجهون بأبصارهم إلى يوم الأحد 30/ 6 ويتمنون لو أن الحكمة أصبحت هى سيدة الموقف، لكن النذر التى تسبق هذا اليوم تشير بوضوح إلى أفق غائم قد يكتنفه كثير من العنف، خذ مثلاً ما حدث فى محافظة الفيوم التى شهدت اعتداءً سافراً على مسيرة سلمية مؤيدة للرئيس نتج عنه استشهاد الشاب محمد سعيد الشلقانى مع كثير من إصابات أخرى لحقت ببعض المشاركين فى المسيرة، أضف إلى ذلك ما حدث فى محافظة كفر الشيخ وبالتحديد فى مدينتى دسوق وفوّه من صدامات عنيفة بين مؤيدين ومعارضين للرئيس مرسى، وكان عجيباً أن يتم استهداف مقر حزب النور بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، ومصدر العجب أن الحزب اختار ألا يشارك فى أى حشد من أى نوع، ومع ذلك لم يسلم مقره بالمحلة الكبرى من جنون العنف.
النذر إذن كثيرة والاحتقان كبير، والاحتشاد مقرر سلفاً، والنداءات تكاد تكون على مدار الساعة ومن كل الجهات تقريباً كى يلتزم الجميع بالسلمية، ويأتى على رأس تلك النداءات ما أعلنه السيد وزير الدفاع من أن مصلحة الوطن هدف عزيز للقوات المسلحة المصرية، ودعا سيادته إلى أن تلتقى كافة القوى الوطنية من أجل نزع فتيل الأزمة، فإذا كان بعض السياسيين لم يستجيبوا لنداء مؤسسة الرئاسة، فهل يستجيب الجميع لنداء المؤسسة العسكرية؟ أرجو ذلك.