(١) أمين عام الجماعة أو الحزب أو أى مؤسسة هو الشخصية المحورية فيها، ومستودع أسرارها وخفاياها، وهمزة الوصل بين قياداتها المسئولة ومؤسساتها المختلفة وأفرادها.. وبقدر ما يكون الأمين أميناً حقاً، بقدر ما تسير الجماعة -أو غيرها- نحو أهدافها المرجوة من أقرب طريق وفى أقل وقت ممكن، والعكس صحيح.. وأمين عام الجماعة الذى نقصده هو الدكتور محمود عزت القائم بعمل المرشد حالياً.. وقد تولى «عزت» موقع الأمين العام عقب تولى محمد مهدى عاكف منصب المرشد فى الفترة من يناير ٢٠٠٤ حتى يناير ٢٠١٠، أى ٦ سنوات كاملة.. والدكتور «عزت» هو صهر المرشد «عاكف» وخال أولاده.. وهذه الصلة كانت تلقى بظلالها السلبية -فى الغالب الأعم- على أداء مكتب الإرشاد، بل أداء الجماعة ككل، حيث لعب دوراً من أخطر الأدوار فى تخريب الجماعة والسير بها إلى نهايتها.. وأنا هنا لا أتعرض لشخص «عزت» من حيث إخلاصه للجماعة وتفانيه فى العمل من أجلها، وسعيه الدؤوب لتحقيق ما يعتقد أنه من أهدافها، فذلك لا أشكك فيه، لكن الذى يهمنى هو الشق الموضوعى وهو مدى ملاءمة شغل «عزت» لموقع أمين عام الجماعة.. فالرجل بطبيعته يهوى الاستغراق فى التفاصيل الدقيقة والجزئيات الفرعية لموضوعات عدة فى وقت واحد، وهو ما كان يجعله يتوه وسط غابة متشابكة من الخيوط والخطوط التى تبعده عن القضايا الأساسية والموضوعات الأصلية.. ثم هو يتدخل فى عمل المؤسسات والأفراد -على اختلاف مستوياتهم- بشكل يربكهم ويفقدهم قدراتهم على الابتكار والإبداع.. والعجيب أنه لم يكن لدى «عزت» أى حرج فى أن يكذب، أو ينقل إلى مؤسسات وأفراد الجماعة قرارات غير متفق عليها، أو يستلب سلطة مكتب الإرشاد.. الخ، وفى كل ذلك كان يعتقد أن عمله هذا فى مصلحة الجماعة!!
(٢) ومن الإنصاف أن نقول إن الدكتور محمود عزت لم يتمكن من ممارسة هذا الدور فى عهد المرشدين الراحلين مصطفى مشهور والمأمون الهضيبى، لأن طبيعة الرجلين لم تكن لتسمح بذلك لأسباب كثيرة.. و«عزت» بطبيعته يقف عند حدود ما يسمح له به الآخرون، لكنه إذا وجد منهم تراخياً أو تساهلاً، تجاوز هذه الحدود وتمدد لكى يملأ الفراغ المتروك، سواء طُلب منه ذلك أم لم يُطلب.. ولأن المرشد «عاكف» بطبيعته لم يكن يدرى من أمر الجماعة شيئاً، ولم يكن صاحب رؤية أو فكر أو علم أو فقه، ولم يكن حريصاً على معرفة أحوال ومعاناة المكاتب الإدارية ولا الأقسام الفنية، بل كان همه الأكبر منصرفاً للمظاهر كحضور الحفلات الاجتماعية والمآتم، وما إلى غير ذلك، فقد انتهز «عزت» الفرصة وهيمن على مفاصل الجماعة.. حاولت قدر جهدى تحذير المرشد «عاكف» من تغول «عزت» على كل أمور الجماعة وأن ذلك سوف يؤدى فى نهاية الأمر إلى انهيار.. لكن الرجل لم يستمع لتحذيراتى، وجاءنى من يخبرنى بأن «عاكف» صرح لبعض الإخوان بأنه مستغرب لهذه التحذيرات، وقال متسائلاً: أنا لا أدرى لماذا يضع الدكتور حبيب محمود عزت فى رأسه؟! وبعد إلقاء القبض على خيرت الشاطر فى ١٤ ديسمبر ٢٠٠٦، آلت بعض مسئولياته إلى «عزت».. ومن ساعتها بدأت المشكلات.. وما سأسرده على القارئ الكريم بعضاً من القصص المؤلم والمواقف المحزنة لتعرف كيف كانت تدار الأمور.. ولن أتحدث بطبيعة الحال عن انطباعات، لكنى سوف أقص وقائع عايشتها وشاهدتها.
(٣) القصة الأولى: فى فجر أحد الأيام اتصل بى هاتفياً عبدالمنعم أبوالفتوح، عضو مكتب الإرشاد آنذاك، ليبلغنى خبر وفاة الدكتور سناء أبوزيد (رحمه الله)، الذى أوصى أولاده برغبته فى أن يدفن إلى جوار الأساتذة: عمر التلمسانى، محمد حامد أبوالنصر، مصطفى مشهور، وإبراهيم شرف، وأنه (عبدالمنعم أبوالفتوح) قد اتصل بالمرشد عاكف يستأذنه فى إنفاذ رغبة «أبوزيد»، فقال المرشد إنه لا يمانع فى ذلك، لكن عليه أن يتصل بالأخوين: محمد حبيب ومحمود عزت لاستطلاع رأيهما.. بكيت عند سماعى الخبر، فسناء أبوزيد كان عزيزاً على الجميع، وفضله على إخوانه وعلى الدعوة لا ينكره إلا جاحد.. قلت: يا عبدالمنعم، أنا موافق، وهذا أقل شىء نسديه إليه بعد رحيله.. ثم أردفت: ليتنا نمتلك ما هو أكثر من ذلك.. اتصل عبدالمنعم بعدها بمحمود عزت ليستطلع رأيه فرفض.. ويبدو أنه ساق تبريرات وحججاً تافهة وغير ذات قيمة.. فى نحو الساعة ١٠ صباحاً، كنا: المرشد وأنا وعبدالمنعم فى غرفة مكتب الأول.. كان عبدالمنعم ثائراً لرفض «عزت» تنفيذ رغبة المتوفى.. قلت: يا أستاذ عاكف، الموافق اثنان، والرافض واحد، ومحال أن ينصاع الاثنان لرأى الواحد، خاصة إذا كانت حججه واهية.. لكن للأسف، لم يُبْدِ المرشد عاكف أى إجابة، وكأنى كنت أتحدث إلى نفسى.. قال عبدالمنعم: لقد كتب «سناء» فى وصيته يطلب من زوجته وأولاده أن يغفروا له ويسامحوه.. فهل يستحق منا هذا النبيل تلك المعاملة؟ ثم انخرط فى البكاء والنحيب.. ولم أستطع أن أتحمل ذلك، فنهضت واقفاً وقلت موجهاً حديثى للمرشد: غير معقول هذا.. محمود عزت لا يفرض رأيه علينا، والقبر الذى نتحدث عنه ليس ملكاً له، وإنما هو ملك الجماعة.. ثم نحن لن نهب «سناء» قصراً فى الدنيا.. وغادرت غرفة المكتب وأنا أتساءل بينى وبين نفسى: ما السر وراء هذا الضعف المزرى والمخجل، وهل يمتلك محمود عزت سطوة لا يستطيع المرشد إزاءها فعل أى شىء؟!! وقبل صلاة الظهر ذهبنا إلى مسجد الفاروق بالمعادى لأداء صلاة الظهر، ثم صلاة الجنازة على سناء أبوزيد (رحمه الله).. ومن غريب الأمر أننا فوجئنا بمن يقوم بإبلاغ المصلين عبر الميكروفون بأن المتوفى سيدفن فى المقبرة الخاصة بالأساتذة المرشدين السابقين.. فما الذى حدث؟ ولماذا غير محمود عزت رأيه؟ هل تحدث إليه المرشد، أم تحدث إليه آخرون؟ أم أنه وجد موقفه ضعيفاً متهافتاً، وأنه سيكون موضع نقد من الإخوان من محبى «سناء» ومريديه؟ هل أراد أن يرينا أنه صاحب الرأى الأوحد داخل الجماعة، وأنه يتخذ الرأى الذى يريد فى الوقت الذى يراه مناسباً؟ كل ذلك وارد! (وللحديث بقية إن شاء الله)