يوم 5 يونيو الحالى يمر 50 عاماً بالتمام والكمال على ذكرى نكسة يونيو 1967، ذلك اليوم الفارق فى تاريخنا الوطنى الحديث، اليوم الذى أفرز ثقافة لم تزل تعيش معنا وتغزل العديد من جوانب حياتنا وأسلوب تفكيرنا ونظرتنا للأمور حتى يوم الناس هذا، روايات عديدة سيقت فى شرح أسباب النكسة، بعضها قدمها أطراف كانت فى دولاب الحكم والإدارة المدنية والعسكرية فى ذلك الوقت، وأخرى قدمها مؤرخون وباحثون اعتنوا برصد أسباب هذا الحدث وتفاصيل ما وقع فى أيامه الصعبة، هناك من يشكك فى هذه الروايات، ويذهب إلى أننا لا نملك حتى اليوم رواية متكاملة مدعومة بوثائق حقيقية حول ما جرى، فى كل الأحوال ما زالت النكسة تعشش فى ثقافتنا بصورة أو بأخرى، يحدث هذا رغم أن مصر -جيشاً وشعباً- لم تصبر على ضياع الأرض ولو لأيام معدودات، فخاضت حرباً تواصلت عملياتها لسنوات هى حرب الاستنزاف التى أوجعت العدو الإسرائيلى أيما إيجاع، ولم تمر 6 سنوات على يونيو 1967 حتى خاض المصريون حرباً كبرى ضد العدو الإسرائيلى حققوا فيها نصراً استردوا به اعتبارهم وكرامتهم، وكان ذلك فى السادس من أكتوبر العاشر من رمضان عام 1973، ومن اللافت أن تاريخ النكسة والنصر يجتمعان فى رمضان من العام الهجرى الحالى (1438).
اُحتلت الأرض ثم اُستردت عبر رحلة الحرب والسلام التى خاضها الرئيس الراحل أنور السادات -رحمه الله- لكن الثقافة التى أورثتها النكسة فى قلوب المصريين لم تزل قائمة فى عقل ووجدان أفراد الشعب العاديين، ونخبه المثقفة، بل ونخبته الحاكمة أيضاً، مفتاحان أساسيان يميزان ما يعرف بثقافة النكسة، أولهما مفتاح اليأس من الذات، وثانيهما مفتاح اليأس من الواقع، تكرس لدى المصريين عشية هزيمة 1967 إحساس ساحق باليأس من الذات، أتصور أنه كان نتيجة طبيعية للسقوط فى فخ وهم القوة الذى عاشه الجيل الذى عاصر النكسة وصدّره إلى الأبناء والأحفاد، ليفاجأ بعد ذلك بواقع على درجة مفجعة من الهشاشة، كان من المنتظر حينذاك أن يبادر الجميع إلى تصحيح المسار، والإيمان بفكرة أن كل خطأ قابل للتصحيح، وأن الضربة التى لا تقصم الظهر تقويه، كان من المنتظر أن يقف الفرد والمجتمع مع نفسه وقفة مصارحة يعترف فيها بالأوهام التى عاشها، والأخطاء التى وقع فيها، ويرتب لتصحيح الأوضاع، كل الشعوب تواجه هزائم وانكفاءات، الشعب المصرى أكبر شعب واجه محناً عبر تاريخه، العقل والمنطق كانا يفرضان على الإنسان المصرى أن يتعلم من تاريخه، وهو يعالج آلام الهزيمة، لكنه لم يفعل، بل استسلم لإحساس مرير بجلد الذات ولعن كل شىء، وشيئاً فشيئاً أصبح جلد الذات ولعن الأشياء جزءاً من الثقافة العامة التى نتحدث عنها (ثقافة النكسة).
صوت واحد أدرك هذه الحقيقة مبكراً، لكنه لم يجد آذاناً تسمع، صوت الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، الذى كتب سلسلة مقالات تحت عنوان «الدولة العصرية»، شخّص فيها العلة، وحدد أسبابها فى شعب ونظام يفكر خارج العصر وما يحكمه من عقلانية وعلم وتكنولوجيا، لكن صوت اليأس من الذات كان أعلى، حتى من صوت المعركة التى تحقق فيها النصر فى 1973!.