مصر التى فى «الميادين»
خرجوا من كل فج عميق، يحملون على أكفهم هَمَّ وطن لم يسعهم رغم اتساعه، لم يأبهوا بتهديدات الموالين للنظام، أو بالحياد الغامض للقوى الحاسمة وقت تشتد المعارك، لم يسألوا إلى صفّ مَن يقف الجيش والشرطة والحرس الجمهورى. قالوا، وآمنوا بما قالوا، إن لديهم القول الفصل، لم يلتفتوا إلى المحبطين والمفلسين والنخبة الخائبة الخاوية، حشدوا أعلامهم، ووحدوا هتافهم، وانطلقوا نحو وجهة واحدة، رئيس اتفقوا على رحيله، ووطن رفضوا أن يتمزق أو يتداعى تحت أركان حكمه المهترئ.
عشية أمس الأول باتوا حيث قضوا نهارهم، افترشوا أرضاً عرفوها وعرفتهم، ثمة دفء خاص تبعثه لهم وتختصهم به وقت يقسو برد الليل، اصطفوا رجلاً إلى جنب رجل، جامعياً فى وجه فلاح فى ظهر عامل فى كتف محاسب، ومن زاوية خاصة، يرمقهم ضابط بالحرس الجمهورى، ألزمته بزته العسكرية أن يحمى مَن فى الداخل ممن يؤمن بوطنية قضيته فى الخارج، فيسرب إليهم زجاجات المياه الباردة لتعينهم على ظهر يوم حار تالٍ حتى الحسم والنصر الذى يتحسس اقترابه من ارتباك فى داخل موقع حراسته. فى «الاتحادية» و«التحرير»، تبصر عجوزاً يصطحب زوجته يتنسمان فى الساعات الأولى من الصباح نسيم حريةٍ وُئدت قبل أن تبلغ الرشد، إلى جوارهم «ثوار» لم يستيقظوا بعد، يطمئنون عليهم كأبوين يتفقدان أسرّة أطفالهما، ذاك ينام معتدلاً على لوح أسمنتى، وهذا يحتضن الرصيف، والثالث يرقد فوق جدار فولاذى بارد متعرج ترك أثره فى أضلاع الشباب الغض، ومع الساعات الأولى وبعد ليلة حاشدة بالأغانى والهتاف، انتفضوا إلى طابور النضال، بعضهم ينظف الميدان، والبعض الآخر يلعب الكرة، فيما راح الباقون يبحثون عن موضع قريب يجلبون منه طعاماً للفطور.
فى معسكر موازٍ، يقبع أنصار الرئيس، قضوا ليلتهم يتأهبون لقتال «عدو الله وعدوهم»، ينتظرون الأمر بشد الرحال إلى «الاتحادية» لتأديب المتجرئين على «صاحب الشرعية» المسحوبة، أو أمر الرحيل كأن شيئاً لم يكن، يمنون أنفسهم بأنه ما دام يوم الثلاثين من يونيو قد مر، فإن هذه الثورة المزعومة زوبعة فى فنجان «بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى»، أخبروهم أن المنقلبين على «مرسى» إنما يحاربون الله والإسلام، فامتثلوا -كما اعتادوا- «حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً».
أخبار متعلقة:
التحرير.. يقضى ليلته بهتافات: «يسقط حكم المرشد» تحت حماية الطائرات الحربية
رابعة.. صلاة وسب «التحرير» فى حراسة 4 مجموعات مسلحة
الاتحادية.. احتفالات تتحول إلى مأتم بعد شهداء المقطم