تنص المادة الخامسة من الدستور المصرى على أن «السيادة للشعب يمارسها ويحميها، ويصون وحدته الوطنية، وهو مصدر السلطات، وذلك على النحو المبين فى الدستور».
وتشرح المادة السادسة من الدستور نظام الحكم فتنص على أنه «يقوم على مبادئ الديمقراطية والشورى والتداول السلمى للسلطة...»، مؤدى ما جاء فى المادتين الخامسة والسادسة أن الشعب هو سيد الموقف، وهو الذى يختار بطريقة سلمية من يتولى السلطة على النحو المبين فى الدستور.
ولقد شهدت البلاد وما زالت تشهد موجات من التظاهرات المعارضة أو المؤيدة إثر توقيعات شعبية بعضها معارض وبعضها مؤيد لرئيس الجمهورية.
المعارضون ينادون بانتخابات رئاسية مبكرة والمؤيدون يتمسكون بما جاء فى المادة 226 من الدستور التى تنص على أن يكمل رئيس الجمهورية مدته الرئاسية حتى نهايتها. وهذه وتلك طلبات سلمية تم التعبير عنها فى الغالب الأعم بطريقة سلمية إلا من بعض مشاهد العنف المدانة التى مارسها من يريدون تحويل الميادين والشوارع إلى ساحات اقتتال بين المؤيدين والمعارضين.
وفى تاريخنا الطويل كما فى تاريخ الكثير من بلاد العالم عبرت الجماهير عن آرائها ثم تبلورت هذه الآراء فى إجراءات محددة تبنتها وعملت على تنفيذها القيادات السياسية الوطنية التى تتمتع بالمصداقية لدى الجماهير، فإن لم تستطِع القيادات السياسية التجاوب العملى الفعال، فإن المؤسسة الأقوى فى البلاد، أعنى القوات المسلحة، بحكم مسئوليتها تجاه الوطن والشعب تتقدم هى لصدارة المشهد.
وبالرغم من أن صدارة القوات المسلحة للمشهد عليها ملاحظات ودونها تخوفات مما حدث خلال تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، فإن الخيارات الضيقة أو المنعدمة التى تقدمها القيادات السياسية تجعل القوات المسلحة تعود مرة أخرى إلى دائرة الضوء.
إن عجز القيادات السياسية واضح أمام الشعب، والتجربة المرتبكة للقوات المسلحة خلال فترة إدارتها للبلاد ما زالت ماثلة أمام الجميع، ومنهم القيادات العسكرية الحالية، ومن ثم يصبح من الواجب أن تكون عودة الجيش لدائرة الضوء مرة أخرى مغايرة لما كان بعد ثورة 25 يناير، ويصبح منطقياً أيضاً أن تتعامل الجماهير والقيادات السياسية مع القوات المسلحة بما يناسب الواقع الحالى.
إن بيان القوات المسلحة الذى أصدرته يوم الاثنين 1 يونيو 2013 قد مدح بشكل واضح التحرك الشعبى «الباهر»، فى إظهار للانحياز التام من القوات المسلحة إلى الشعب المصرى، وأوضح أن استمرار الوضع الحالى فيه تهديد شديد للأمن القومى المصرى.
إن مدة الثمانى والأربعين ساعة التى أمهلت فيها القوات المسلحة جميع الأطراف لتنفيذ مطالب الشعب معناها الصريح أن صفحة جديدة فى تاريخ الوطن قد بدأت كتابتها، ومن المطلوب أن تكون الكتابة المستقبلية محافظة على المكتسبات الإيجابية التى تم تحقيقها أثناء وبعد ثورة 25 يناير، وتأتى على قمة هذه المكتسبات الحرية والديمقراطية والحرص على سلمية كل خطوة وضبطها حتى تكون فى الاتجاه الصحيح.
إن معظم -أو كل- التيارات السياسية لم تستطِع أن تصل إلى قلوب الناس وعقولهم، وبالتالى لم تستطِع توظيف الطاقات الجماهيرية فى اتجاه البناء، فلم تجد الجماهير إلا ساحات الميادين للإعلان عن رأيها.
لكن خطراً مهماً لا بد من رصده ومنعه من التقدم لاغتيال الثورة برمتها، أقصد عناصر الثورة المضادة الذين عز عليهم استبعادهم من مواقع السلطة ورجال الأعمال الفاسدين المفسدين الذين استغلهم نظام «مبارك» للاستبداد والفساد.
إن الحكمة فى التصرف والتعقل فى القول والنظر إلى المستقبل كلها عناصر مطلوبة كى نتجاوز المرحلة المضطربة التى نعيشها.
إن مصارحة النفس ومصارحة الشعب ضرورة قصوى ينتج عنها اعتراف بالأخطاء واستعداد سريع للتصويب.
أدعو الله من كل قلبى أن يلهم الأطراف جميعها ما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.