وإذ نواصل التعلم من إصدارات مرصد الأزهر باللغات الأجنبية نتوقف إزاء الرعب الذى يملأ قلوب الكثيرين من تفتت «داعش» والذى سيعد انتصاراً ومرعباً فى آن واحد. ونقرأ فى كتيب بعنوان «العائدون من داعش»: «إن أخشى ما تخشاه أوروبا فى الوقت الراهن هو رجوع جماعى لنحو 5000 أوروبى يحاربون فى صفوف داعش، علماً بأن أغلب العائدين حتى الآن هم الذين خاب أملهم فى داعش أما الإرهابيون الأشد تطرفاً فلم يصلوا بعد.. وهو ما يستثير فزعاً فى أوساط أوروبية عديدة». ويقدم لنا هذا الكتاب أرقاماً وحقائق مفزعة. فمركز «صوفان جروب» الأمريكى يفيد بأن عدد من سافروا إلى سوريا والعراق بهدف الانضمام إلى داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة يتراوح ما بين 27 ألفاً و31 ألفاً ينتمون إلى 86 دولة عبر العالم. وتكمن أهمية هذه الدراسة وخطورتها فى أنها تبرز أنه رغم الجهود الدولية لهزيمة التنظيم ووقف تدفق المسلحين إليه فإن عدد المنضمين إلى داعش قد تضاعف نحو ثلاث مرات خلال عام ونصف العام. ووفق تقرير صادر عن مركز تونى بلير للدراسات الدينية فى 21 ديسمبر 2015 فإن هناك 15 جماعة متطرفة مجموع أعضائها يصل إلى 65 ألف عضو، مرشحة كى تحل محل داعش فى حالة هزيمته. ووفق تقرير صادر عن المركز الدولى لمكافحة الإرهاب بلاهاى فى عام 2015 فإن ظاهرة الإرهاب قد تفشت بشكل وبائى بين عامى 2014 و2015 وإن داعش قد استقطب إلى صفوفه 30 ألف شخص من 104 دول، منهم 7000 أوروبى أغلبهم من بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وإن 1500 شخص قد عادوا إلى أوروبا، 17% منهم من النساء و14% منهم قد لقوا حتفهم. وفى 2016 أعلنت الداخلية الإسبانية أن 190 إسبانياً انضموا إلى داعش قُتل 25% منهم وعاد منهم 30 شخصاً. وصرح جوليان كينج، مفوض الأمن للاتحاد الأوروبى، بأن هناك 850 بريطانياً فى داعش لا يزالون هناك، وأن 600 شخص قد عادوا إلى بلادهم. وتقول جريدة «ديلى ستار» إن 1500 إرهابى عائدين من داعش هم الآن على أهبة الاستعداد للقيام بأعمال إرهابية، وإن هناك عديداً من الإرهابيين الأوروبيين فى ليبيا الآن ويستعدون للعودة إلى بلادهم. أما الأرقام الأعلى بالنسبة للمنضمين لـ«داعش» فهى حسب الترتيب: تونس (6000)، السعودية (2500)، روسيا (2400)، تركيا (2100)، الأردن (2000)، فرنسا (1700)، بريطانيا (850)، ألمانيا (760)..وتحتل تونس الرقم الأعلى فى العائدين 600 عائد. وقد قوبل أغلب هؤلاء بمحاكمات واستجوابات والسجن بتهمة القيام بأعمال إرهابية. ووفق دراسة لمعهد «بروكنجز» بواشنطن فإن داعش يمتلك 46 ألف حساب على تويتر وحده وأن شبكات التواصل الاجتماعى هى مصدر تجنيد 80% من العناصر المتطرفة.. وداعش ينشر صور قتلاه وهم دوماً مبتسمون «لأنهم سعداء بالصعود إلى الجنة»، وثمة فتيات أوروبيات نشأن فى إطار المدنية والحريات تعدهن داعش بالجنة وتدعوهن أن يكن زوجات مجاهدين وأرامل للشهداء ويتراوح سن الفتيات المنضمات إلى داعش ما بين 15 و22 عاماً بمتوسط عمر 18 عاماً. أما الشباب الأوروبى فهو لا ينضم بسبب معاناة اقتصادية ولا لأسباب مادية بل بدوافع أسرية واجتماعية ونفسية. وكثير منهم حديثو العهد بالإسلام يؤكد لهم قادة داعش أن «الجهاد هو بذاته غاية شرعية وليس وسيلة للدفاع عن النفس أو الأرض». ويتم الآن توثيق شهادات للعائدين من جانب أكثر من مركز ويقرر العائدون فى شهاداتهم أنهم شاهدوا عمليات وحشية مما دفعهم إلى الإحباط والعودة. ويرى كثير من المنشقين أن ثمة فساداً ممنهجاً يرتبط أساساً بالقيادات العليا الذين يعقدون صفقات بترولية وتجارية مع من يزعمون أنهم يقاتلونهم. ويقدم المرصد فى نهاية الكتيب شهادات مفزعة لفتيات وشبان شعروا بالندم بعد التحاقهم بداعش بوقت قصير. والشهادات التى أوردها الكتيب تستحق الدراسة لأنها تفضح الكثير من دعاوى داعش.
وفى دراسة أعدها آنجيل بايستيروس، مدير المعهد الإسبانى للدراسات الاستراتيجية، عن قلقه من عودة تنظيم داعش إلى أوروبا، مؤكداً أن هناك ما يقرب من 1700 أوروبى عادوا من مناطق الصراع فى سوريا وأنه يتعين على أجهزة الأمن التحلى بيقظة دائمة لمواجهة هذا الخطر ويقول: «لذلك لا ينبغى أن يلهينا تراجع التنظيم وخسارته لأرضه أمام قوات التحالف الدولى عن الكارثة الكبيرة التى ستنتج عن هذا التراجع والتى ستؤدى إلى محاولة أعضاء التنظيم الثأر فى أى مكان، ومن كل أحد، خاصة فى ظل التقارير الصادرة حول عودة أتباع التنظيم إلى بلدانهم وخطورة ذلك خاصة أن هؤلاء الإرهابيين الإسبان ينظرون إلى إسبانيا باعتبارها بلاداً كانت إسلامية، ولا بد أن تعود إسلامية».. ويحاول البعض وضع حلول تستند إلى التحليل النفسى والعلاج النفسى أيضاً، وثمة معهد دراسى فى تونس يتخصص فى معالجة هذه الحالات لكن بعض دراساته تقول إن بعض العائدين يصبحون كالمدمنين بحيث يخيل إليهم أنهم قد تم شفاؤهم من إدمان القتل وبعد فترة ولأسباب تافهة يرتدون إلى الإدمان ويعودون إلى الفعل الإرهابى.
وفى نهاية الكتيب يقترح المرصد عدة توصيات، منها: نشر شهادات العائدين لنحذر الشباب من الوقوع فى نفس المصير، تشكيل لجنة من علماء الأزهر والمؤسسات الدينية المعتدلة لتحصين الشباب الغربى حديثى العهد بالإسلام، تخصيص مراكز طبية ونفسية لمعالجة الآثار النفسية والأسرية والاجتماعية التى يعانى منها العائدون من داعش.
ويبقى التقدير والشكر موصولاً للمرصد وللأزهر الشريف.. ولشيخه إمام الاعتدال والوسطية.