كأي طفلة متفوقة ظهرت في الميديا الأيام السابقة الطالبة مريم فتح الباب، "الأولى بالثانوية العامة" التي لم تخجل من عسر الحال وتباهت بكل فخر بوالدها الذي تعب هو ووالدتها في جعلها من المتفوقات.
وبطبيعة الحال كل عام، يتم التركيز مؤقتا على متفوقي الثانوية العامة إبان ظهور النتيجة، كي يتم تكريمهم/ن، وسرعان ما ينسى الكل قصص وأسماء الأوائل، لكن ما استرعى انتباهي هذا العام هو تداول الجميع لقصة مريم!! ما بين متعالٍ عليها أو متعاطف معها، الكل يشيد بتفوقها رغم ظروفها، والكثير يطلق بعض العبارات التي وإن حملت في ظاهرها جانب الإعجاب إلا أنها في باطنها بعض من التعالي والطبقية!
فحين يشيد أحدهم بأن الأولى على "بعبع الثانوية" هي ابنة أحد البسطاء- من وجهة نظره- وقد فعلت المستحيل من أجل التفوق، نجد نفس الشخص لن يشيد بذلك التفوق في حال أن الأولى كانت ابنة للطبقة المتوسطة أو الأعلى منها، على اعتبار أن التفوق مصاحب لأبناء هذه الطبقات دون غيرها، وأن البسطاء لا يمكن أن يتفوقوا إلا لو كان أحدهم "سوبر هيرو".
من الممكن أن يكون كلامي صادما للبعض حين أقول "كفانا طبقية وكفانا تصنيف".
فلماذا ننظر لمريم من منظور مهنة والدها؟ حتى وإن كان كلامنا عنها أنها من الأبطال الخارقين للعادة؟
ولماذا حتى حين نشيد بها نقول "لقد فعلت ما لم يفعله أولادنا المرهفين؟
حتى حين تداولت وكالات الأنباء خبر رفض والدها ابتعاثها لأمريكا مدعيا أنه لن يبيعها للأمريكان، الكل هاج وماج وقالوا إنه لا يدري مصلحة ابنته، وإنه جاهل ولا يعرف قيمة التعليم المصري. في حين أنه حتى الذي نظر إليه نظرة محايدة قال إنه مغيب ومنقول له صورة غير مهنية!
انني الآن لست بصدد تحليل موقف والدها، أو نصيحتهما بما يجب فعله في هذه الحالة، ولست بصدد التقليل من مجهود مريم، حيث نعلم جميعا كم المجهود المبذول للتفوق بالثانوية العامة..ولكنني بصدد الضغط على جرح الطبقية الغائر في جبين مجتمعنا، بداية من الطبقة الأرستقراطية وفوق المتوسطة، والذي تفشى مؤخرا في الطبقة الوسطى وتحت المتوسطة، وطبقات المثقفين وغيرهم.
إنني أود أن اقول لكل منا: "لابد أن نواجه ذلك الأمر، ونعترف أننا ننظر لبعضنا البعض نظرات من الدونية حين نجد من هو أقل منا في شيء، ويتزايد بنا الحال بأن نقصر علاقاتنا على من كانوا في نفس مستوانا المادي أو الثقافي أو التعليمي، هذا بالإضافة إلى تظاهرنا طيلة الوقت بأننا في مستوى أعلى من مستوانا الحالي، كي لا يقوم أحد بالتعامل معنا بتلك الدونية التي ذكرتها..فلتسامحوني إن كنت بالغت في تقديري للأمر، لكنني أضع دائما أمامي عبارة "كل الناس سواسية"، وهذه العبارة لم أجدها مطبقة في حالة مريم!