أتساءل اليوم بقلب طفل صغير بصدر رجل كبير، عن كل السنوات التي مضت بما فيها من تضارب ووهم وسعادة وبؤس، أضع سنواتي بلا عدل في قلب ينبض بحرارة الذكريات الماضية، وروح تلامس حواف أشياء مضت وانقضت ومازالت عالقة فيها، أطرح ألف سؤال بإجابة واحدة تتواطأ مع عقل مرتعش، أشعر بلذة ذوبان العمر، ولذة ذوبان الوهم، وقسوة الأيام، وحقيقة الحياة.
عندما كنت صغيراً، بالأمس إن لم تخني الذاكرة، لم أكن أعرف أن هذه الدنيا ستعاش أعواماً وتنقضي كيوم مر على عجالة، وما كنت أعرف معنى أن تدق الحياة فوقنا وتُفقد أرواحنا توازنها، وأن تبتهج وتبهجنا معها قبل أن تنطفئ مرة واحدة، وتطفئنا أيضاً معها، كانت أخطائي بلا ندم، وسذاجة روحي بلا مقابل، كان قلباً صغيراً تمنى لو كبر، ثم كبر فجأة وكبر به قلب لم يسعه العالم فتمنى لو عاد صغيراً، كبرت أمام سطوة الأيام التي تزداد في عجالة لتصبح دائماً أكبر مني، واكتشفت أننا جميعاً نتشابه أمام النهاية، وأن البداية غير مهمة. غير مهمة أبداً.
اكتشفت أننا نتشابه في سراب الوهم، في العمر الذي يتمدد بقلوبنا وينسحب فجأة دون أن يمنحنا أي فرصة للتفكير، في مدننا الحزينة، وظل السعادة الذي نكافح لأجله، نتشابه حين نكابر، وحين نخادع، وحين نخفي مخاوفنا، وحين نصمت وفي قلوبنا يضج ألف صوت للألم، في أشيائنا الممنوعة من الفهم، والممنوعة من البوح، وفي أسئلتنا المنسية، كم مر من العمر؟، كم خسرنا حين كابرنا؟، كم فقدنا حين قلنا أن الوقت غير مناسب؟ وحين أخفينا ما كان ينبغي البوح به؟ كم تهنا حين سرنا بالوهم في دروب ليست لنا؟، كم فقدنا من الحب حين ضعفنا ضاربين بمحبتنا عرض الفقدان؟.. وكم حيينا فعلياً؟