(١) عندما أستعيد التاريخ بتفاصيله الكثيرة، أجدنى أزداد قناعة بأن محمد مهدى عاكف الذى تولى موقع المرشد العام فى الفترة من يناير ٢٠٠٤ حتى يناير ٢٠١٠، لعب دوراً مؤثراً وفاعلاً فى مزيد من التدهور والانهيار للجماعة.. لم يكن الرجل بطبيعة الحال قاصداً ذلك، لكن قدراته وإمكاناته النفسية والذهنية والعلمية والإدارية حالت دون إيقاف هذا الانهيار.. ولا شك أن من اختاروه -ومنهم كاتب هذه السطور- كى يكون مرشداً يتحملون فى ذلك وزراً كبيراً، خاصة أنهم كانوا يعلمون عنه كثيراً من أوجه القصور.. أتذكر جيداً أن الدكتور المستشار فتحى لاشين الذى كان يمثل إخوان مصر فى مجلس شورى التنظيم الدولى الذى كان مجتمعاً بلندن فى أوائل يناير ٢٠٠٤، قال لى إنه عندما وصلهم خبر اختيار مكتب إرشاد مصر لعاكف ليكون مرشداً وقع عليهم كالصاعقة، لدرجة أنه (أى المستشار) قال: «يادى المصيبة»(!!!).
(٢) صحيح أن الرجل كان شجاعاً لا يهاب، لكنها الشجاعة التى تصل بصاحبها إلى حد التهور والاندفاع دون تقدير للعواقب؛ ومن هنا كانت تبرز المشكلات.. ومن عجيب الأمر أن المرشد «عاكف» كان إذا التقاه أحد فى الطريق أو اتصل به هاتفياً وأسر إليه برأى أو فكرة -بغض النظر عن مدى جودتها- إذا به يتبناها دون دراسة أو تأنٍ أو حتى تفكير، وهل هى ملائمة أم لا، وما هى النتائج التى يمكن أن تترتب عليها؟!.. هكذا كان الرجل.
(٢) وبالرغم من أن «عاكف» كان يمثل إحدى أهم المشكلات داخل مكتب الإرشاد، وأنه لم يكن قادراً على إدارته، إلا أنه كان يفكر فى تغيير تركيبة المكتب، حيث كان فى شك من قدرته على القيام بأى إسهام أو تحسن فى الأداء، وهو على هذا النحو(!)، وأن الأمر يحتاج إلى استبعاد كل الأعضاء الذين أمضوا فى المكتب أكثر من ٨ سنوات.. والمقصد من وراء تلك الخطوة أنه أراد أن يترك أعضاء مكتب الإرشاد مواقعهم، قبل أن يغادر هو موقعه كمرشد، وهو ما قاله لى بعد ذلك صراحة.. إذ بعد أيام قليلة من تصريحه المباغت بعدم ترشحه لفترة ثانية الذى أطلقه فى شهر أبريل ٢٠٠٩، فوجئت به يأتى إلى غرفة مكتبى ويعرض علىّ قائمة بها ١٢ اسماً، هم: محمد حبيب، خيرت الشاطر، محمد هلال، لاشين أبوشنب، رشاد بيومى، صبرى عرفة، محمد عبدالله الخطيب، جمعة أمين، عبدالمنعم أبوالفتوح، محمود عزت، محمود غزلان، ومحمد بشر.. قلت له: إن هذا يحتاج إلى تعديل فى اللائحة.. فرد قائلاً: نحن يمكننا أن نجرى انتخابات قريبة بنفس الطريقة التى أجريناها لدعم المكتب بـ٥ أعضاء فى العام الماضى، وأن نستكتب هؤلاء الـ١٢ عضواً منذ الآن إقرارات بعدم الترشح فيها(!!).. أصابنى الذهول والدهشة وأنا أستمع إليه.. وقلت فى نفسى كيف يفكر هذا الرجل؟! لقد عايشت ٤ من المرشدين، فضلاً عن عشرات من القيادات التى نهلت وتربت على يد «البنا»، وما رأيت أحداً منهم يفكر بهذه الطريقة؛ أى طريقة الصدمات الكهربية، ودون مبرر معقول أو مسوغ مقبول.. صمت فترة، ثم قلت: هذا إجراء ما سبقنا إليه أحد، وأرجو ألا تأخذ بسيف الحياء من الإخوان شيئاً لا يريدونه.. وأردفت قائلاً: يا أستاذ عاكف.. المشكلة ليست فى استبعاد أعضاء قدامى واستقدام آخرين جدد، بقدر ما تكمن فى تغيير النظام والنهج الذى نسير عليه، وتغيير طريقة تفكيرنا وإدارتنا للأمور.
(٣) فى هذا اللقاء أخبرت المرشد «عاكف» أنى قمت بزيارة أكثر شُعب ومناطق الإخوان بالجمهورية، ورصدت مجموعة من مظاهر الخلل داخل الجماعة، وهى تتلخص فى: انعدام الروح، فقدان الهمة، بيروقراطية الأداء، الاستغراق فى اللقاءات الإدارية، غياب الابتكار والإبداع، سطحية التفكير، وقلة النماذج والقدوة أمام الشباب.. وبقى أن نتعرف على أسباب ومصادر هذا الخلل، وهل هى مرتبطة بأداء المرشد أو نائبه أو هما معاً، أو أمين عام الجماعة، أو أعضاء المكتب جميعاً، وهل لها صلة بعلاقة المرشد بالمكتب، أم نتيجة الفجوة الموجودة بين القيادات العليا والوسيطة، وهل السبب هو العلاقة غير المنضبطة بين مؤسسات الجماعة، وهل هى الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تمر بأفراد الصف، وهل هى بسبب ترهل الهيكل الإدارى للجماعة أو السير بالخطة، أم فى السياسات العامة للجماعة.. إلخ؟. ثم قلت: قبل أن نبحث عن تغيير فى الأشخاص، يجب أن نجيب عن هذه الأسئلة.
(٤) اقترحت على المرشد «عاكف» اختيار مجموعة من رؤساء المكاتب الإدارية والأقسام الفنية لطرح مظاهر الخلل التى رصدتها عليهم لكى يجيبوا عنها وفق استبيان محدد.. ثم نقوم بفرز الإجابات وتصنيفها.. يتبع ذلك ورشة عمل يتناقش فيها هؤلاء للوصول إلى تصور يضع أصابعنا على مواطن الجروح وطرق العلاج.. لكن للأسف، لم يكن هناك من يريد أن يسمع.. والمرشد ليست لديه طاقة ولا استعداد ولا روح لهذا.. هو يريد إجراء تغيير وكفى، وليأت من يأتى.. قلت: يا أستاذ عاكف.. ضع فى اعتبارك أنك لو أجريت انتخابات عن طريق مجلس الشورى الحالى، فسوف يختار نفس الأعضاء (وقد حدث هذا فعلاً)، ولن يكون هناك جديد، وكأننا لم نفعل شيئاً.. فرد قائلاً: معقول؟.. قلت: عيب.. أنا أعرف ما لا تعرفه.. والتركيبة الحالية لن تحقق الهدف الذى تريد.. فلماذا لا ننتظر حتى يأتى المجلس الجديد فى يونيو ٢٠١٠، خاصة أن هذا هو الإجراء الذى تنص عليه اللائحة وغير ذلك مخالف لها؟ رجوته أن يستمع لنصحى، لكننى -كما ذكرت سابقاً- كنت أصيح فى وادٍ وأنفخ فى رماد.. قال المرشد: أنا لا أنام.. وأنا قلق على الجماعة.. وقبل أن أترك موقعى، أريد أن أطمئن(!) قلت: حسناً.. لماذا لا نجتمع بأعضاء مكتب الإرشاد ونناقش معهم هذا الأمر، ولعلنا نصل إلى حل مقبول يؤدى إلى ما فيه نفع للجماعة؟
(٥) قلت كلاماً كثيراً، لكن -كالعادة- دون فائدة، وكأنى أتحدث إلى نفسى.. بذلت كل ما يمكن فى محاولة لإقناعه.. كنت معه رفيقاً ورقيقاً ومهذباً إلى أبعد حد.. قدمت له كل الحجج والأدلة والبراهين، لكن دون جدوى.. وأحسست أن كل ما بذلته من محاولات ذهبت أدراج الرياح(!!)