(١) حاولت قدر طاقتى أن أوقف الأسلوب المؤسف الذى أدار به المرشد «عاكف» الاجتماع المهزلة لمكتب الإرشاد، لكن، ذهبت محاولاتى أدراج الرياح، ساعتها قلت: أنا إذن مستقيل من موقع النائب الأول.. لم يعر «عاكف» ذلك أى التفات، وكأنى لم أقل شيئاً.. كان واضحاً أنه أراد تفويت الفرصة لينتهى الأمر إلى ما أراد، وساعده فى ذلك بعض الأعضاء المعروفين بعشقهم للصيد فى الماء العكر.. كرر على مسامعنا: تصويت.. فرفع الأعضاء أيديهم بالموافقة، تماماً كما كان يفعل أعضاء مجلس الشعب المصرى من حزب السلطة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.. الغريب أن بعض الأعضاء عاتبونى بعدها بأيام، وزعموا أنى لجأت إلى الاستقالة لتهديد المرشد حتى يتراجع(!) قلت: ما فعلت ذلك إلا عندما وجدت الرجل لا يقيم وزناً للائحة الجماعة، بل يخالفها مخالفة صريحة، علاوة على أنه أخفى عن نائبه الأول مشروع التعديل ليفاجئه به يوم الاجتماع بشكل لا يليق بأخ من الإخوان، فضلاً عن أن يكون المرشد.. ناهينا عن تلك الجلسة المؤسفة والمحزنة، التى لم أشهد لها نظيراً طوال حياتى(!!)
(٢) بقى أن أذكر ما جاء بنص المادة (٣٠) من لائحة الإخوان لندرك كيف كانت تجرى أمورنا دون اعتبار لأى شىء، وحتى نعلم أن فشل الإخوان فى حكم مصر لم يكن من فراغ.. وأن ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ عندما قامت تهتف بسقوط حكم المرشد، لم تكن هى الأخرى من فراغ.. تنص المادة (٣٠) على أنه: يجوز تعديل أحكام هذا النظام بناء على اقتراح من: ا) المرشد العام، ب) أغلبية أعضاء مكتب الإرشاد المقيمين بالجمهورية، أو ج) عشرين عضواً من أعضاء مجلس الشورى.. «وينظر مجلس الشورى العام اقتراح التعديل فى جلسة خاصة يدعى إليها قبل ٣٠ يوماً على الأقل، مع إخطار الأعضاء بموضوع التعديل المقترح، ويعتبر التعديل مقبولاً بأغلبية أكثر من نصف عدد أعضاء المجلس».. وحتى لا يقال إنه كان من المستحيل جمع أعضاء مجلس شورى الجماعة فى مكان واحد، خوفاً من إلقاء القبض عليهم جميعاً، فقد كان ممكناً استطلاع آرائهم فى مجموعات صغيرة، أو حتى فرادى.. لكن، ماذا تقول لأناس يهدرون اللوائح ولا يتقيدون بالنظم؟
(٣) لا أدرى كيف قضيت ليلة الأربعاء (٥ مايو ٢٠٠٩)، وهو اليوم الذى جرت فيه الجلسة المهزلة.. فقد كنت حزيناً ومتألماً، وأفكر كثيراً فيما آل إليه حال مكتب الإرشاد، الذى يمثل أعلى هيئة تنفيذية فى الجماعة، فليس هذا هو المكتب الذى يدير حركتها.. وما زاد من وجعى إدراكى العميق للآثار والتداعيات التى تنتظرنا فى المستقبل القريب والبعيد على السواء.. لقد كان تصورى قبل ذلك أن الجماعة ما هى إلا تجمع أخلاقى وإيمانى، وأنها يوم أن تبتعد عن ذلك، فهى تحفر قبرها بيديها.. وإذا كان مكتب الإرشاد قد تحكم فى كل شىء؛ التنفيذ والشورى والقضاء، فمعنى هذا أن الجماعة تسير فى طريق النهاية.. ومن هنا بدأت أستشعر ضرورة وحتمية تفعيل مجلس الشورى، أى الخروج من الحيز الضيق المتمثل فى مكتب الإرشاد (نحو ١٥ عضواً) إلى الحيز الواسع الذى يتيحه مجلس الشورى العام (١٠٥ أفراد)، وهو الوضع الصحيح الذى يجب أن تكون عليه الجماعة..
(٤) كان مجلس الشورى العام حسبما تنص عليه المادة (١١) من اللائحة هو: «السلطة التشريعية لجماعة الإخوان فى مصر، ويكون مختصاً بمناقشة وإقامة السياسات العامة والوسائل التنفيذية اللازمة لها، وكذا مناقشة التقارير السنوية التى يتقدم بها المكتب».. كنت أتصور أن هذا هو الحل الذى يمكن أن يعيد للجماعة توازنها ويحفظ عليها ثباتها واستقرارها، بل تحقق ما تصبو إليه، ويجعلها على مستوى التحديات والآمال المعقودة عليها.. لكن المسألة لم تكن بهذه البساطة كما سوف نرى فى الصفحات التالية، إذ كان الأمر يتطلب تغييراً شاملاً فى الثقافة على مستوى الفرد والجماعة من ناحية، وعلى مستوى الفكر والسلوك والحركة والتنظيم من ناحية أخرى.
(٥) فى صبيحة يوم الخميس ٦ مايو ٢٠٠٩، ورغم الإجهاد والألم اللذين كانا يعتصرانى طوال اليوم الفائت، حضرت مؤتمراً كنا قد دعونا إليه القوى السياسية والوطنية فى مقر الكتلة البرلمانية بشارع الإخشيد بالروضة، بخصوص «مخاطر تهويد القدس ومحاولات هدم المسجد الأقصى».. وقد حضر السادة: طارق البشرى، محمد عمارة، محفوظ عزام، سعيد الجمل، صافى ناز كاظم، إبراهيم يسرى، نادر فرجانى، رفيق حبيب، مصطفى بكرى، عصام شيحة، فاروق العشرى، وغيرهم.. إضافة إلى المرشد وبعض أعضاء المكتب.. وقد ألقى الحضور كلمات يعبرون فيها عن مشاعرهم ورؤيتهم تجاه ما يجب اتخاذه من مواقف وحلول على مستوى الأنظمة والحكومات والشعوب العربية والإسلامية.. كما صدر بيان عن ذلك، إضافة إلى تغطية المؤتمر إعلامياً بشكل جيد عن طريق بعض القنوات الفضائية.
(٦) مضى يوما الخميس والجمعة، وأنا على نفس الدرجة من التأثر والانفعال.. وحتى لا آخذ قراراً وأنا على هذا الحال، رأيت أن أسافر إلى أسيوط فجر السبت ٨ مايو ٢٠٠٩ أملاً فى الابتعاد -ولو لأيام- عن هذا الجو.. وقد كان.. ولما لم أحضر جلسة هيئة المكتب فى ذلك اليوم، اتصل بى عضو المكتب لاشين أبوشنب، يرجونى العودة سريعاً إلى القاهرة.. ولأن الرجل كانت له مكانة فى قلبى، لم أشأ أن أتأخر عن تلبية رجائه.. وعدت فعلاً، حيث حضرت فعلاً جلسة هيئة المكتب يوم الأربعاء ١٢ مايو ٢٠٠٩.. حاول «أبوشنب» و«بديع» إجراء مصالحة بين المرشد «عاكف» وبينى، وقلت ساعتها إن الأمر متعلق بسلوك ونهج المرشد فى التعامل مع المكتب، وقد صبرنا عليه طويلاً.. صحيح أنه لن يتغير بعد هذه السن حيث تجاوز -آنذاك- ٨١ عاماً، لكن لا أقل من التقيد ببعض المعايير حتى تستطيع الجماعة أن تنهض بمسئولياتها.. إن ضبط إيقاع حركة المكتب وأدائه لدوره على النحو المأمول سوف ينعكس بالقطع على أداء كل أجهزة الجماعة.. لذلك، فإن لدىّ مشروعاً من ٣ بنود مهمة لتطوير وتحسين الأداء، وهى: أولاً: إدارة مكتب الإرشاد ومتابعة العمل على نحو صحيح، ثانياً: تحديد معايير اختيار القيادات، خاصة العليا منها فى الجماعة، وثالثاً: تفعيل مجلس الشورى العام.. قال «أبوشنب»، اعرضها أولاً على المرشد «عاكف» وتناقش معه فيها، فإن وجدت قبولاً لديه (!)، فيمكن طرحها بعد ذلك على مكتب الإرشاد.. قلت: أفعل ذلك إن شاء الله، وإن كنت من خلال خبرتى الطويلة ومعرفتى الوثيقة بالرجل، لن أجد أى صدى لهذا المشروع لديه(!)