(١) يجب ألا يكون على رأس قيادة الجماعة أو الحزب أو حتى الدولة، أشخاص مرتبطون مع بعضهم برباط مصاهرة أو قربى -من أى نوع- لأن ذلك يؤثر بشكل ما أو آخر على سير العمل ونزاهته وصدقيته.. قد يقال إن النبى (صلى الله عليه وسلم) صاهر أبا بكر وعمر وعثمان وعليا.. لكن أين نحن من النبى، بل من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم؟ لقد كان عبدالحكيم عابدين، سكرتير عام الجماعة، صهراً للبنا، حيث كان متزوجاً من شقيقته، ولم يكن هذا الوضع خلواً من متاعب ومشكلات وأزمات واجهت الجماعة فى فترة من الفترات.. أتصور أنه كان من الضرورى أن تنأى الجماعة عن هذا الوضع، بحيث لا تكون القيادات العليا بها مرتبطة بعلاقات مصاهرة، وأن تكون هناك ضوابط صارمة يخضع لها الجميع.. لقد كان المرشد «عاكف» صهراً للدكتور محمود عزت، الأمين العام للجماعة، حيث كان الأول متزوجاً من شقيقة الثانى.. وعلى الرغم من تصرفات وسلوكيات الدكتور «عزت» التى أثبتت بما لا يدع مجالاً لشك كذبه، وضيق أفقه، وإرباكه لكل مؤسسات الجماعة، علاوة على سعيه الدؤوب إلى عسكرة التنظيم والتلاعب فى قرارات مكتب الإرشاد، إلا أن المرشد قام بتسليمه الجماعة -كما يقال- «تسليم مفتاح».. والحقيقة أننى لم أدخر وسعاً فى سبيل تنبيه المرشد لكل مظاهر الخلل التى سببها «عزت»، إلا أن المرشد لم يحرك ساكناً، بل على العكس وقف داعماً ومؤيداً للرجل إلى آخر مدى.
(٢) كان الدكتور «عزت» منكفئاً على التنظيم بدرجة ملفتة، ولا ينكر أحد صبره ودأبه وحرصه على الجماعة.. إلا أنه كان يبعث بتقارير إلى الإخوان المصريين بالخارج، لا يعلم عنها ولا عما بداخلها أحد شيئاً، وعندما تأكد لى ذلك من أحد الإخوان الشباب الذين يرسلهم لتلك المهام، تحدثت إليه وسألته (مندهشاً ومستغرباً): لم تفعل ذلك، خاصة أن هذا الأمر ليس متفقاً عليه بين أعضاء مكتب الإرشاد؟ فما كان منه إلا أن أقسم بعدم حدوثه(!) وقد ثبت من خلال مواقف عدة أن الرجل كان يكذب، تماماً كما يفعل الشيعة فى أسلوب «التقية» المعتبر عندهم.. وإضافة إلى الكذب، كان «عزت» ضيق الأفق، لا ينظر لأبعد من موطئ قدميه.. هذا فضلاً عن أنه كان يستغل موقعه الذى يشغله لتنفيذ أهدافه ومآربه، متصوراً أنه لا يفعل إلا الصواب.. لقد كان يرى نفسه أنه الجماعة والجماعة هو.. لذا، أهدر المؤسسية التى كان يجب أن يعمل من خلالها، ولم يلتزم بالشورى التى تمثل أصلاً من أصول العمل الإسلامى، فضلاً عن أنها الضمانة الأكيدة لنجاح أى عمل.. ومن ثم، كان توقعى أن الجماعة ذاهبة لا محالة إلى نهايتها.. كان الدكتور «عزت» يتلقى التقارير التى تأتى من مجلس شورى التنظيم الدولى.. فإذا لم يكن المرشد موجوداً بمكتبه، قام بفضها وتصويرها؛ فيحتفظ بالأصل ويرسل بالصورة إلى المرشد فى منزله.. وعندما قمت بلفت نظره إلى ضرورة تسليمى صورة من التقرير، رفض، وقال: أنا أبعث به أولاً إلى المرشد، وهو الذى يقرر إذا كنت أريك إياه أو لا(!) تعجبت لهذا المنطق المخجل، فقلت: هل قرأت أنت التقرير قبل أن تبعث به إلى المرشد، بل هل قرأه من حمله وسلمه إليك، وهو ليس عضواً بمكتب الإرشاد؟ قال نعم.. قلت: كيف تبيح لنفسك ويباح لمن ليس عضواً بمكتب الإرشاد ما لا يباح للنائب الأول للمرشد؟ وهل هذا منطق مقبول أو معقول؟ ثم لنفرض أن المرشد تغيب فجأة عن الحضور لأى سبب، واضطر النائب الأول -حسب اللائحة- أن يترأس الجلسة، فماذا يصنع وليس معه التقرير؟! فسكت الدكتور «عزت» ولم يجد ما يقوله.. نقلت ما حدث إلى المرشد، فلم يزد إلا أن ابتسم(!) وتحدثت فى نفس الموضوع مع أعضاء مكتب الإرشاد فى وجود الدكتور «عزت» نفسه، فإذا بالبعض يقول: أصل الدكتور «عزت» رجل «حرفى»، فى محاولة لتبرير ما حدث(!!).. قلت: وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. وعين السخط تبدى المساويا.. جدير بالذكر أن هذا الأمر لم يكن مقتصراً على الأمين العام، لكنه كان يرتكب من بعض الأعضاء أيضاً.. لذا، أقول: إن فشل الإخوان فى حكم مصر، لم يكن من فراغ.. ومن نافلة القول أن أذكر بأن الرئيس المعزول د. محمد مرسى لم يكن يحكم أو يتخذ قراراً من خلال المؤسسات المعنية فى الدولة، بل من كان يقوم بذلك هو مكتب الإرشاد، وتحديداً خيرت الشاطر ومحمود عزت.. كان الأخير أحد الشخصيات المحورية التى يدين لها الدكتور محمد مرسى بالطاعة والولاء(!)..
(٣) بعد أيام من الجلسة المهزلة التى عقدها المرشد «عاكف» لمكتب الإرشاد التى تقرر فيها اعتماد مشروع تعديل اللائحة، أشار علىّ الأستاذ لاشين أبوشنب، عضو المكتب، أن أقوم بطرح مشروع تطوير أداء عمل الجماعة الذى أعددته على المرشد، فإن وجد قبولاً لديه أمكن طرحه بعد ذلك على المكتب.. وعلى الرغم من عدم قناعتى بذلك، لعلمى ويقينى أن المرشد سوف يسوف ويراوغ، إلا أننى استجبت لفكرة الرجل.. أرسلت المشروع إلى المرشد، ولما قرأه اتصل بى هاتفياً وقال: ما هذا الكلام الجميل؟ ثم سأل: هل أنت فى البيت الآن؟ فلما رددت عليه بالإيجاب، قال: إذن سأمر عليك.. ومر علىّ فعلاً، واتفقنا على أن نجتمع معاً لمناقشة المشروع فى اليوم التالى بمزرعته.. وعندما التقينا قلت للمرشد: قبل أن أعرض عليك رؤيتى، أحب أن تعلم يقيناً أن حالة الصف من حيث فقدان الروح، وضعف الهمة، وبيروقراطية الأداء، والاستغراق فى اللقاءات الإدارية، وعدم توافر القدوة أمام الشباب، كل ذلك أصبح يشكل عائقاً أمام الجماعة فى تحقيق أهدافها ومراميها، خاصة فى ظل استراتيجية الحصار والتضييق التى يتبعها النظام مع الجماعة.. وما لم نتحرك بإيجابية ونتدبر أمرنا ونواجه أوضاعنا من خلال حلول غير تقليدية، فسوف يفوتنا خير كثير.. فقط نحتاج إلى وقفة شجاعة -وهذه لا تعوزنا بفضل الله- إضافة إلى وضوح رؤية عما تحتاجه طبيعة المرحلة.. ثم قلت: إن تصور تعديل مادة أو مادتين فى اللائحة، لا يحقق نقلة نوعية أو تطويراً فى الأداء، ما لم يتم فى إطار نظرة شاملة.. لذا، فإن التطوير الذى اقترحه يتضمن فى فلسفته ٣ محاور رئيسية؛ هى: مراجعة أداء مكتب الإرشاد، ضوابط ومعايير اختيار القيادات، وكيفية تفعيل مجلس شورى الجماعة.. (وللحديث بقية إن شاء الله، وكل عام وأنتم بخير).