«كوم أوشيم الصناعية»: مصانع أغلقت أبوابها وأخرى للبيع أو للإيجار.. ولا عزاء للعمال
أحد المصانع بالفيوم بعد غلقه وعرضه صاحبه للإيجار
على مسافة 32 كيلومتراً من مدينة الفيوم، تقع منطقة «كوم أوشيم» الصناعية التى تضم 274 مصنعاً، منها مصانع تعمل، وأخرى تحت الإنشاء، وبعضها توقف خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب أزمات كبيرة تعانى منها المنطقة، وهو ما تدل عليه بوضوح لافتات «للبيع» أو «للإيجار» التى تصدرت واجهات بعض المصانع هناك.
فى أحد مصانع البلاستيك، استقبلنا بيشوى ماهر، مدير المصنع، 60 سنة، الذى اصطحبنا فى جولة داخل أروقة المصنع الذى يحتوى على ماكينات ومعدات ضخمة، لتحويل المواد الخام والزيوت إلى حبيبات بلاستيك ذات كثافات مختلفة، وفقاً للطلبيات التى تقدم لهم، وهو يقول: «المصنع زى ما انتو شايفين، مفيهوش عمال والمكن واقف».
صاحب مصنع: 30 مصنعاً تم إغلاقها «قفلوها أحسن وأوفر».. ومدير مصنع بلاستيك: آخر «طلبية» كانت فى يوليو.. وتعويم الجنيه وارتفاع سعر المواد الخام السبب
ويوضح «بيشوى» أن السبب وراء توقف العمل فى المصنع هو تعويم الجنيه، وارتفاع سعر المواد الخام مرتين ونصف، حيث تعتمد صناعة حبيبات البلاستيك بالكامل على الاستيراد، أما عن حركة العرض والطلب، فيقول: «السنة كلها اطلب مننا 50 طن من حبيبات البلاستيك، كنا بنعملهم زمان فى شهر، والمكن دلوقتى متوقف زى ما انتو شايفين، وآخر طلبية جاتلنا كانت من شهر يوليو، وما جلناش بعدها طلبيات تانية».
لكن بالرغم من توقف العمل تقريباً فى المصنع معظم شهور العام، يؤكد «بيشوى» أن صاحب المصنع رفض تسريح أى من العمال، وحرص على دفع مرتباتهم خلال السنة الماضية بالرغم من الخسائر المتكررة التى عانى منها المصنع.
وهو يوضح كذلك أن أسعار الكهرباء ارتفعت بصورة مبالغ فيها خلال الفترة الماضية، قائلاً: «إحنا بنشغل المكن مبنفصلهوش لما بتجيلنا طلبية، لأن تدوير الماكينات بياخد ساعات طويلة، وتجهيز المواد الخام فيها».
وبينما كانت تقف 3 فتيات نحيفات وقصيرات القامة، يضحكن وهن يتناولن الطعام خارج أحد مصانع الملابس الجاهزة، تقول «منى»، 15 سنة، إحدى العاملات: «كلنا من مركز يوسف الصديق، العربية بتيجى تاخدنا من هناك 7 الصبح علشان نبدأ شغلنا 8 ونخلص الساعة 5». وتوضح «منى» أن مركز يوسف الصديق بعيد عن المنطقة الصناعية مسافة ساعة وربع الساعة بالعربات، بالإضافة لعدم وجود أى خطوط مواصلات داخل المنطقة الصناعية، ما يدفعهم لانتظار العربات التى يوفرها لهم المصنع.
أما آلاء عبدالرحمن فتشير إلى أن المرتبات التى يتقاضونها ليست جيدة، حيث لا تتجاوز 1500 جنيه للعاملة المدربة، وتبدأ بـ900 جنيه لمعظم العاملات، قائلة: «رضينا بالمرتبات دى علشان مفيش وظايف عندنا فى يوسف الصديق، المركز عندنا مفيهوش أى فرص، وهنا كمان كل شوية يمشوا بنات من الشغل».
وتوضح «آلاء» أن المصنع مكون من 4 أدوار، وبه أكثر من 50 عاملاً، معظمهم من الفتيات القادمات من مراكز بعيدة بحثاً عن أى مصدر دخل، ولكن خلال العام الماضى تغير الوضع بشكل ملفت: «المصنع قفل دور من الأربع أدوار، ومشى بنات كتير، وقالوا مبقيناش بنكسب زى الأول، لأن أقماش الجينز بتجيلنا مستوردة من بره».
وفى أحد مصانع السيراميك الكبيرة فى المنطقة الصناعية، حيث ينقل العمال «بودرة» السيراميك إلى داخل المصنع، ويعلو صوت صخب الماكينات، يقول مدير أمن المصنع: «إحنا عندنا مشكلة كبيرة متعلقة بالأمن فى المنطقة الصناعية، مفيش سور بيحيط بكل المنطقة لإحكام تأمينها، ومفيش شركة أمن مسئولة عنها». ويوضح مدير أمن المصنع أن المنطقة الصناعية تعتمد على موظفى أمن قليلين لم يخضعوا لأى تأهيل أو تدريب، وليس معهم أسلحة، ويقومون فقط بتأمين قاعة المؤتمرات فى المنطقة، بينما يعتمد كل صاحب مصنع على تعيين خفراء يحرسون مصنعه، ما يزيد العبء والتكلفة عليهم بشكل كبير.
أمتار قليلة كانت تفصل المصنع عن مصانع أخرى تجاوره ارتفعت عليها لافتات «للإيجار» و«للبيع»، حيث كان يقف مصطفى مجدى، صاحب مصنع تغليف أعشاب، يقول «مجدى»: «خلال العام الماضى أغلق أكثر من 30 مصنعاً أبوابه بسبب عدم قدرتهم على سداد مستحقات مالية تتعلق بالكهرباء والمواد الخام والرواتب وغيرها.. الناس لقت نفسها كل يوم بتفتح فيه المصنع بتخسر مابتكسبش، قفلوه أحسن وأوفر لهم».
وعلاوة على ما سبق يشير «مجدى» إلى أن «المنطقة الصناعية كلها فى كوم أوشيم تعانى من أزمة فى الصرف الصحى، لأنها بنيت بطريقة غير سليمة»، قائلاً: «راحوا اشتروا أسوأ وأرخص مواسير، مفيش سنة والدنيا كلها ضربت، المواسير ماستحملتش الضغط عليها».
أمام إحدى ماكينات التغليف، وقفت «صفاء»، سيدة ثلاثينية، تقول: «إنها من مركز سنورس، وتأتى يومياً للعمل فى المنطقة الصناعية، ولا يتجاوز راتبها 1200 جنيه شهرياً»، مضيفة: «الناس هنا فى الفيوم غلابة، بيشتغلوا بأى مرتب فى المزارع والمصانع، وطبعاً فيه عمالة تحت السن القانونى فى مصانع كتير».
.. وآخر يخلو من العمال
«بيشوى» أمام ماكينات المصنع المتوقفة عن العمل بالفيوم