لم أكره في حياتي يوما عبارة مثل تلك العبارة.. "القانون لا يحمي المغفلين" وكنت أتسائل دوماً لماذا وكيف لا يحمي القانون مغفلا تم النصب عليه وخداعه وتغفيله.. وإذا لم يحمي القانون ذاك المغفل الواقع كضحية في فخاخ نصاب فمن سيحمي القانون إذن.. هل سيحمي اللصوص والنصابين..؟!
ولذلك كنت أعتبر دوما هذه العبارة تجني على المظلوم وانتصارا للظالم.. إذ كيف لا يحمي القانون مغفلا تم تغفيله والنصب عليه لأنه سليم النية وطيب القلب وحسن الظم بالآخرين.. فإذا كان هو مغفلا وسلم أمره لنصاب فإن النصاب شخصية حقيرة تستحق أقصى عقاب.. ولا يعقل أن نترك ذاك المغفل والمغفل هنا كلمة لا إهانة فيها لإنها تصف الحالة التي هي من فعل التغفيل مثل المزحة الشهيرة – بص العصفورة – ونترك للحسرة والوجع بينما نترك النصاب ينعم بجريمته.. وظلت هذه قناعتي لفترة طويلة متصورا أن بالقانون خللا عظيما لابد من علاجه.. حتى جاء يوم سألت فيه عدد من المحامين وخبراء القانون عن معنى تلك العبارة وحقيقة فهمي لها.. فاكتشفت أن لهذه العبارة سببا آخر وجيه لا يعني اأبدا ترك المظلوم للظالم بغض النظر عن واقعية التنفيذ.
فالأصل دوما في القانون هو تحقيق العدالة والانتصار للمظلوم.. وأن الذي يقع في شباك نصاب ويلجئ للإجراءات القانونية الصحيحة بالاستعانة بأهل الخبرة وأهل القانون فلابد له بل حتما أن يستعيد حقه المسلوب.. خاصة عندما يرشد عن النصاب إرشادا صحيحا وتتعاون الشرطة مع الضحية في الايقاع بالنصاب بحيلة أكبر من حيلته..
أما لماذا وجدت عبارة "القانون لا يحمي المغفلين" فهذا يرجع إلى تطبيق بديهيات لا يمكن أن يغفل عنها الإنسان.. مثل أن تتعامل مع مكان ما منوط به أخذ رسوم إدارية ثم لا تحصل على وصل يفيد بدفع النقدية مع وجود عبارة تنبهك لهذا معلقة على الحائط فإذا أنكر الموظف حصوله على الرسوم المقررة ثم اشتكيت بعدها فحينها سيقال لك أن القانون لن يحميك لأنه نبهك من قبل إلى حتمية الحصول على وصل.. وإن كان أيضا في مثل هذه الحالة يمكن اكتشاف نصب الموظف إذا ثبت أنه يفعل الأمر ذاته مع آخرين.. غير أن هناك واقعة حدثت معي بشكل شخصي مؤخرا أثبتت لي فعلا أن القانون لا يحمي المغفلين..
فقد كنت مسافر من القاهرة للإسكندرية وركبت القطار وجلست في مقعدي المحدد طبقا لرقم المقعد في التذكرة وفجأة جاء شخص يقول لي هذا مقعدي متصور أنن احد الركاب الذين يركبون بدون تذكرة.. فقلت له ببساطة بل هذا مقعدي أنا.. فاختلف معي وقال ساخرا إذا لم تكن قد دفعت تذكره فقم ودعني أجلس في مقعدي طبقا لتذكرتي.. فقلت له العكس هو الصحيح حتما هناك في تذكرتك خطأ فانا احمل تذكرة وهذا هو مقعدي وبعد خلاف حاد ودفاعه عن نفسه وعدم رغبته في ابداء تذكرته لي أو لغيري ملوحا بها فقط جاء الكمسري ليطلع على تذكرتي وتذكرته ثم انتبه الكمساري لخطأه هو الذي لم ينتبه هذا الشخص له فرقم العربية صحيح ورقم المقعد صحيح ورقم القطار صحيح ولكن كان ميعاد السفر هو الخطأ الذي لم ينتبه به الراكب فقد قطع تذكرة في مساء الليلة السابقة فيما بعد الساعة الثانية عشر مساءا وطلب أن تكون التذكرة غدا فتعامل الموظف مع التذكرة بأنها في اليوم التالي لليوم الذي بدأ بدخول الساعة الثانية عشر أي أن موعد رحلة هذا الرجل كانت في الغد وليست في اليوم الذي كنا فيه واللمشكلة أن ركب القطار وتحرك به وكنا قد وصلنا بنها وأصبح عليه إما أن ينزل بنها ويعود للقاهرة وينتظر للغد وهو ما رفضه لانه مرتبط بمواعيد في الاسكندرية وإما أن يدفع تذكره جديدة ويقف في القطار وهو ما رفضه أيضا لأنه حسب وجهة نظره قد قطع تذكرة بالفعل فقال له الكمساري عفوا ولكن القانون لا يحمي المغفلين.. أنت الذي يجب أن تنظر في تذكرتك قبل أن تغادر شباك قطع التذاكر لتعرف كل تفاصيل التذكرة وإذا وجدت خطأ تراجعه إما في حالتك فالخطأ عليك لا على الموظف..
فكلمة لوجه الله لا تغضب قبل أن تتأكد أنك على حق.