وإذ نواصل الحديث عن قانون الحوار بين أهل الأديان، نرى من الملائم الإشارة إلى المادة العاشرة من المرسوم بقانون اتحادى رقم (2) لسنة 2015 فى شأن مكافحة التمييز والكراهية فى دولة الإمارات العربية المتحدة، والتى تنص على أن «يعاقب بالسجن المؤقت كل من استغل الدين فى رمى أفراد أو جماعات بالكفر باستخدام إحدى طرق التعبير، أو باستخدام أى من الوسائل، وذلك لتحقيق مصالح خاصة أو أغراض غير مشروعة. وتكون العقوبة الإعدام إذا اقترن الرمى بالكفر تحريضاً على القتل فوقعت الجريمة نتيجة لذلك». وفى دولة الكويت الشقيقة، تنص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2012 فى شأن حماية الوحدة الوطنية على أن «يحظر القيام أو الدعوة أو الحض بأى وسيلة من وسائل التعبير المنصوص عليها فى المادة (29) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، على كراهية أو ازدراء أى فئة من فئات المجتمع أو إثارة الفتن الطائفية أو القبلية أو نشر الأفكار الداعية إلى تفوق أى عرق أو جماعة أو لون أو أصل أو مذهب دينى أو جنس أو نسب، أو التحريض على عمل من أعمال العنف لهذا الغرض، أو إذاعة أو نشر أو طبع أو بث أو إعادة بث أو إنتاج أو تداول أى محتوى أو مطبوع أو مادة مرئية أو مسموعة أو بث أو إعادة بث إشاعات كاذبة تتضمن ما من شأنه أن يؤدى إلى ما تقدم».
والواقع أن اختلاف الأديان سنة كونية وإرادة إلهية. يقول الله عز وجل فى سورة هود: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ». ويقول سبحانه فى سورة النحل: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ». ويقول المولى عز وجل فى سورة يونس: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ». ويقول سبحانه فى سورة الأنعام: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِى الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِى السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)».
ويتضمن القرآن الكريم أصول وآداب الحوار مع أهل الأديان الأخرى. وأول هذه الضوابط أن تكون المجادلة بالحسنى والموعظة الحسنة. يقول سبحانه فى سورة النحل: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ». ويقول تعالى فى سورة فصلت: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِى خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)».
وثانى هذه الآداب والضوابط هو النأى عن تكفير الآخر. وينبغى فى هذا الشأن التمييز بين حوار الرب مع العبد وحوار العبد مع العبد. ففى الحوار الأول، يسوغ الوعيد بالعذاب وبئس المصير لمن كفروا. ولكن لا يجوز للعبد أن يرمى غيره بالكفر. ونعتقد أن الأدب مع الله يقتضى ألا يصادر أى شخص على حق الله عز وجل فى العفو أو الغفران لعباده. وينبغى ألا ننسى أن المسلمين أنفسهم أول من عانوا من تكفير بعضهم البعض. ولعلنا نتذكر جميعاً أن مسمى إحدى الجماعات هو «التكفير والهجرة»، والمقصودون بالتكفير هنا هم طائفة من المسلمين وليس غيرهم.. والله من وراء القصد.