دائماً ما أردد أن «مصر لا ترتدى الحداد بل تعلن التحدى».. لكننى اليوم أشعر -مثل كل أم- أن الإرهاب اختطف الضوء من عينى، ونهش قطعة من فؤادى، وقطع شرايينى لأظل أنزف، وترتوى الأرض بدماء الشهداء الزكية لتثمر -مجدداً- أبطالاً وجنوداً يحترفون الشهادة دفاعاً عن تراب الأرض المقدس الذى لا يعرف قيمته الخونة والمرتزقة والعملاء.
اليوم أشعر أن البكاء «حق»، تماماً كما أن الصمود «واجب»، والصمود يتطلب طرح التساؤلات «المسكوت عنها»، وتحطيم «حائط الألغاز» الذى أدى لسقوط 16 ضابطاً ومجنداً من خيرة شباب مصر.
البداية كانت من معلومات وردت لقطاع الأمن الوطنى حول اتخاذ مجموعة من العناصر الإرهابية من إحدى المناطق بالعمق الصحراوى بالكيلو 135 بطريق أكتوبر- الواحات بمحافظة الجيزة، مكاناً للاختباء والتدريب والتجهيز للقيام بعمليات إرهابية، مستغلين فى ذلك الطبيعة الجغرافية الوعرة للظهير الصحراوى، وسهولة تحركهم خلاله.
فتم إعداد القوات للقيام بمأموريّتين من محافظتَى الجيزة والفيوم، لمداهمة تلك المنطقة، إلا أنه حال اقتراب المأمورية الأولى من مكان وجود العناصر الإرهابية استشعروا بقدوم القوات وبادروا باستهدافهم باستخدام الأسلحة الثقيلة من عدة اتجاهات، فبادلتهم القوات إطلاق النيران لعدة ساعات.. وهو ما يذكّرنا بقصص متكررة لعدة اغتيالات لضباط «الأمن الوطنى».. قطعاً لم تتم بالصدفة ولا بشكل عشوائى.. فكلها وقائع تؤكد وجود «خلايا نائمة» داخل جهاز الشرطة، تزود جماعة «الإخوان» وباقى التنظيمات الإرهابية بتحركات ضباط القوات الخاصة والأمن الوطنى!
حتى لو كان هذا الاستنتاج «ضعيفاً»، فإنه يجب مراجعة كل فرد ينتمى لجهاز الشرطة وإخضاعه للتدقيق، خاصة ونحن نعلم أن كثيراً من «المجندين» يأتون من القرى والنجوع البعيدة التى تسيطر عليها الأفكار الظلامية.. ومعظمهم «أمى» من السهل تجنيده سواء بعملية غسيل مخ وحشو رأسه بفكرة «الجهاد المقدس».. أو بشرائه وتجنيده.. وهنا «الفقر» ليس دليل إدانة، بل هو نقطة ضعف تماماً مثل الجهل والأمية، وتلك أدوات استقطاب شباب العرب للكيانات الإرهابية.
«الأفكار الظلامية».. جملة لم تعد مقبولة، فليس من المنطق أن يسقط كل يوم شهيد من الجيش أو الشرطة وأحبالنا الصوتية تتقطع للمطالبة بعملية إصلاح دينى، أو ما اصطُلح على تسميته بـ«تجديد الخطاب الدينى».. وقد ثبت فعلياً وعملياً أن «الأزهر» ليس مؤهلاً للقيام بهذا الدور لأنه مؤسسة مخترَقة من الإخوان -أصلاً- وهؤلاء كل مهمتهم تحصين «كتب التراث» التى تمد الإرهابيين بفتاوى إهدار دماء المصريين من المدنيين والعسكريين!
نحن أمام مؤامرة لاستنزاف الدولة المصرية، وإنهاك اقتصادها بحرب مفتوحة ضد الإرهاب، وضرب الاستقرار لطرد السياحة والاستثمار منها.. وقد تطول الحرب إذا علمنا أن حدودنا الغربية مع ليبيا تمتد نحو 1115 كم، وتأمينها عملية «شبه مستحيلة» خاصة بعد تمركز تنظيم «داعش» هناك، رغم أن عملية تهريب الأسلحة الثقيلة والعناصر الإرهابية من ليبيا إلى مصر قد بدأت بالتزامن مع ثورة 25 يناير 2011.
ورغم حالة الاستنفار الأمنى، ورفع درجة الاستعداد القصوى، والدفع بطائرات هليكوبتر لمطاردة العناصر الإرهابية، للتصدى لأى محاولات إرهابية لاختراق صحراء الواحات بالوادى الجديد، وأيضاً قيام الطيران الحربى باستهداف سيارات دفع رباعى تحاول التسلل داخل حدودنا بمعدل شبه يومى.. سيظل من الصعب تأمين حدودنا الغربية.
وفى مؤامرة استنزاف الأرواح والاقتصاد وأعصاب البشر لا يصح أن تغيب «المعلومات» نحو 12 ساعة عن المواطن المصرى، من مصدرها الأصلى وهو وزارة الداخلية، خصوصاً أن تبادل إطلاق النيران بين الإرهابيين وقوات الأمن استمر لعدة ساعات، وخلال تلك الساعات المريرة الطويلة كانت جماعة «الإخوان» الإرهابية تتصدر الموقف، (على السوشيال ميديا)، بنشر شائعات كاذبة لإحداث حالة من الجدل وبلبلة الرأى العام وبث الرعب فى قلوب المصريين.. صحيح أن توقيت إعلان «المعلومة» حق أصيل للدولة، ولكن عندما نكون فى «حالة حرب» يصبح «الإعلام» الأداة رقم واحد لتوحيد الجبهة الداخلية. فجأة تحول الجميع إلى خبراء استراتيجيين، ومحللين أمنيين، وتحول الإعلام إلى «سيرك».. كان أسوأ ما فيه هو إذاعة «أحمد موسى»، فى برنامج «على مسئوليتى»، تسجيلاً لضابط ناجٍ يروى تفاصيل ما حدث فى هجوم الواحات الإرهابى.. كيف وصل التسجيل إلى «موسى»؟.. من الذى أمر بإذاعته؟.. هل النظام يدير معركته -إعلامياً- من خلال «أحمد موسى»؟.. أليست هذه أسراراً حربية.. أليس الكلام جارحاً لجنودنا وأسر شهدائنا؟.. أنا لا أملك الإجابة.
لكننا رغم كل الطلاسم التى أحاطت بمعركة الواحات سنظل شعباً يحترف «الشهادة» فى مواجهة من تلقوا ثمناً بخساً لأوطانهم وباعوا حتى دينهم نظير الجنسية القطرية والأموال التركية، لكننا أيضاً نعشق الحياة.. ولهذا نطالب بالقصاص.
(وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِىْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).. سورة البقرة: الآية 179.