حين كانت الحركة النسوية تناضل من أجل تجريم «ختان الإناث» كانت مؤسسة «الأزهر» تعاند -كالعادة- وتترك الناس تتخبط: هل هو سنّة أم لا؟! وحين كان الأطباء يلحون فى طلب قانون «زرع الأعضاء» كان الأزهر يتعنت ويعطل القانون، فسبقتنا السعودية فى إصدار قانون زرع الأعضاء عشرات السنوات.. ولا يزال الخلاف «العلمى- الدينى» قائماً حول تعريف «الموت الإكلينيكى».. ولا يزال الأزهر هو «العقبة الأساسية» أمام تجديد الخطاب الدينى وليس العكس!
وقبل أن تلتهم مواكب الشهداء اهتمام الرأى العام، فى معركة الواحات، فتح شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» المدفعية الثقيلة على «تونس» بسبب قرارات الرئيس التونسى «الباجى قائد السبسى» لمساواة الرجل بالمرأة فيما يتعلق بالميراث وزواج المسلمة بكتابى.. وقرر «الطيب» بسط نفوذه على العالم الإسلامى قائلاً، فى مؤتمر دار الإفتاء المصرية عن «دور الفتوى فى استقرار المجتمعات» إن «الهجوم على الحضارة الإسلامية والأزهر تزامن أيضاً مع المطالبات الجماعية بإباحة الشذوذ باعتباره حقاً من حقوق الإنسان، وفى جرأة غريبة أشد الغرابة عن شباب الشـرق الذى عُرف برجولته، وباشمئزازه الفطرى من هذه الانحرافات والأمراض الخلقية الفتاكة، كما تزامن ذلك مع إزاحة البرقع عن وجه التغريب، ودعوات وجوب مساواة المرأة والرجل فى الميراث، وزواج المسلمة بغير المسلم، وهو فصل جديد من فصول اتفاقية «السيداو» وإزالة أى تمييز للرجل عن المرأة، يراد للعرب والمسلمين الآن أن يلتزموا به ويلغوا تحفظاتهم عليه».. متعمداً أن يلصق تهم «إباحة الشذوذ، والتغريب» بكل من يقترب من «التراث المحنط» الذى أصبح الدفاع عنه حربه المقدسة!
فجأة قرر الملك «سلمان بن عبدالعزيز» إنشاء هيئة للتدقيق فى استخدامات الأحاديث النبوية.. وقالت وزارة الثقافة والإعلام السعودية إن «هدف الهيئة هو القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأى نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب».. فلماذا لم يعترض شيخ الأزهر ولم يتهم «الرياض» بالهجوم على تراث المسلمين.. ولم يهدد ويتوعد من مراجعة السعودية للأحاديث النبوية، بينما تعمّد إرهاب الكتّاب والمفكرين والمجددين فى مصر وتونس قائلاً «إن أهل العلم الصحيح وأهل الفتوى قد ابتُلوا بنوعٍ من الضغوط والمضايقات لم يعهدوه بهذا التحدّى، وأعنى به الهجوم على تراث المسلمين، والتشويش عليه من غير مؤهَّلين لمعرفته ولا فهمه، لا علماً ولا ثقافة، ولا حسن أدب أو احترام لأكثر من مليار ونصف المليار ممن يعتزون بهذا التراث، ويقدرونه حق قدره، ولم يعدم هذا الهجوم المبيَّت بليلٍ دعاوى زائفة يغلَّف بها للتدليس على الشباب، كدعاوى التنوير وحرية الإبداع وحق التعبير، بل حق التغيير حتى لو كان تغييراً فى الدين وشريعته».. فعن أى تراث يدافع شيخ الأزهر؟!
هل هو تراث البخارى الذى أراق دماء الأبرياء بحديث «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى»؟.. أم تراه يدافع عن مناهج الأزهر التى تفرخ لنا الإرهابيين، والتى اكتفى الأزهر -فى تنقيتها- بنقل باب «الجهاد» من المرحلة الإعدادية إلى المرحلة الثانوية.. وأبقى على نصوص تحلل «أكل الميت إن كان مسيحياً أو يهودياً أو كافراً»؟!.
يتهم الإمام الأكبر «دعاة التنوير وحرية الإبداع وحق التعبير» بأنهم يتعمدون «اقتطاع عبارات الفقهاء من سياقاتها ومجالاتها الدلالية لتبدو شاذة منكرة ينبو عنها السمع والذوق».. رغم أنه يعلم جيداً أن «تكفير الأقباط» لم يُقتطع من سياق حديثه المنتشر على «اليوتيوب»، ولا من حوارات متلفزة لبعض علماء الأزهر!
كما يعلم أن امتناعه عن تكفير «داعش» فى وقت تُسفك فيه دماء الأبرياء هو «شرعنة للإرهاب»، وتحصين لفتاوى السطو على الأوطان وسبى النساء باسم «الجهاد».
نحن لم نبتدع فتاوى نكاح المتوفاة، ووطء البهائم، وإرضاع الكبير، نحن ندافع عن «مدنية الدولة» التى لا تعرف بها، رغم أن دستورها يمنحك «الحصانة ضد العزل» ويبقيك إماماً مدى الحياة.
فضيلة الإمام الأكبر لا يقتنع بأن نفس الدستور يحمى حرية الفكر والإبداع والتفكير، وهى الحريات التى يصادرها الأزهر بمطاردة الكتّاب والمفكرين قضائياً!
الأزهر يعادى حتى الفن ويمنع ظهور الخلفاء الراشدين على الشاشة، بينما تنتج قناة Mbc، وهى قناة سعودية، مسلسلاً تاريخياً عن «عمر بن الخطاب».
لو أراد شيخ الأزهر إحداث إصلاح دينى لفعل، لكنه لا يدافع عن «مومياوات التراث»، إنه يدافع عن «دولته»، وهى دولة ظاهرها «الوسطية» وباطنها «التطرف».. ودولته الآن أصبحت مهددة فى «أعز ما تملك» من عاصمة الفكر الوهابى.