في مساء أحد أيام نوفمبر الباردة في مدينة روما، حدثت واقعة غريبة في مطار "فيوميسينيو"، كان رجال الجمارك الإيطاليين يراقبون شاحنة يتدلى منها صندوقًا خشبيًا كبيرًا، استعدادًا للحاق بالطائرة المتجهة إلى القاهرة، أثار المنظر الريبة في نفوسهم، وعندما اقتربوا من السيارة، فوجئوا بأنها تابعة للسفارة المصرية، ووفقًا للمعاهدات الدولية لا يحق لهم تفتيشها.
وترصد "الوطن" على مدار عدة حلقات، عددا من القصص المخابراتية القديمة، في مختلف أنحاء العالم، تلك القصص التي منعت وقوع كوارث، أو تسببت في اندلاع الحروب أو المعارك.
ساد الصمت لحظات، بينما هم رجلين من الجمارك الإيطالية بالمساعدة لنقل الصندوق الضخم إلى الطائرة استعدادًا للإقلاع، فاجأهم رجل ثالث من أمن المطار، أمرهم أن يتركوا الصندوق ويفتشوه أولًا، ولما أبدوا اعتراضهم، وضع أذنه على الصندوق، وهنا سمع صوت استغاثة مكتومة: "أغيثوني من القتلة"، عندها تصرف المصريون أصحاب الصندوق بتلقائية، حينما دفعوا الصندوق إلى داخل السيارة، وفروا هاربين من المطار، وذلك وفق ما جاء في أحد فصول كتاب "الموساد.. جهاز المخابرات الإسرائيلية السري"، للمؤلفين أوري دان، وأيلي لاندو ودينيس إيزنبرغ.
تحرك على الفور رجال الأمن الإيطاليين، لملاحقتهم، ونجحوا في ذلك، ثم اجتروهم إلى أقرب قسم شرطة، وهناك فتحوا الصندوق ليجدوا ما يشبه "الهيكل العظمي" الحي، وأمام ذهول الجميع، حضرت سيارة الإسعاف ونقلت "المومياء الحية" إلى أقرب مستشفى.
بدأت "المومياء" تستفيق، ليستجوبه رجال الأمن الإيطاليون، كان حديثه منطقيًا في البداية: "اسمي يوسف دهان من مواليد المغرب لكني مواطن إسرائيلي"، قال هذه الكلمات، وهو يكشف عن جواز سفره الذي برهن صحة كلامه.
بدأ "الدهان" حديثه مع رجال الأمن، يثير الريبة في النفوس: "وصلت إلى روما قبل أيام قليلة، وفوجئت باتصال من موظفي السفارة المصرية، وطلبوا مني العمل معهم كمترجم، كانوا لطاف جدًا معي، لكن الأمر لم يدم كذلك طويلًا، فبعد فترة عملي معهم، دعوني إلى حفل وهناك شربت حد الثمالة، ولم أشعر بنفسي سوى وأنا داخل صندوق خشبي".
كان يبدو من كلامه الكذب واختلاق الوقائع، خاصة عندما سأله أحد المحقيين، عن السبب الذي دفع السفارة المصرية لفعل ذلك، ليجيب بأنه لا يعلم، وعندما تم إيداعه في أحد السجون الإيطالية، بدأ يثير الشغب، ويتضح زيف روايته أكثر وأكثر.
بعد أيام بدأت الصحف تضج بـ"الدهان"، وتروج أنه عميل للموساد الإسرائيلي سعت مصر لخطفه، لكن الأمن الإيطالي كان يدرك أنه ليس عميلًا للموساد، كما أنه ليس "يوسف الدهان"، خاصة عندما توافد على طلب زيارته العديد من النساء اللاتي ادعوا أنهن كانوا على علاقة به، ووعدهم بالزواج، ثم هرب.
في تلك الأثناء كان الموساد يتعاون مع إيطاليا بقوة، لتنكشف الحقيقة بالكامل، فيوسف الدهان لم يكن سوى "موردخاي لوك"، الذي كان جنديًا بالجيش الإسرائيلي، ونتيجة لشغبه سجن ثلاث مرات، قبل أن يتمكن من الهرب إلى مصر، طالبًا اللجوء السياسي، لكن الأمن في مصر اعتقله خوفًا من أن يكون عميل للموساد.
في أحد السجون المصرية، تأكد للسلطات المصرية أن "لوك" ليس عميلًا للموساد، ثم خطر ببالهم أن يعمل لديهم كعميل سري يتابع نشاط إسرائيل في شرق أوروبا، وهو ما وافق عليه "لوك" على الفور وبدأ في التدريب، وسرعان ما بدأ في عمله رسميًا.
وأثناء عمله، لاحظ الجانب المصري، أن "لوك" بدأ يهمل في مهمته الرسمية، ويتكاسل عنها، ويهتم أكثر بالنزوات، يسهر كثيرًا ويواعد النساء، لتثار الشكوك حول أن يكون عميلًا مزدوجًا لدى الموساد، وهنا قرر الجانب المصري إعادته إلى مصر بهذه الطريقة.
تعليقات الفيسبوك