من الأفعال الملعونة التى تأتى بها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب وتطيّبها بالمسك والعنبر وما شابه ذلك من الفضائح.. فالتبرج من مفاتيح النار التى تستوجب العذاب الأليم والخزى العظيم.. ومفردات التبرج أن تظهر المرأة وجهها ومحاسن جيدها للرجال وكل ما يستدعى شهوتهم.. حتى القناع الذى تستر به نفسها إذا انتخب من الألوان البراقة والشكل الجذاب لكى تلذ به أعين الناظرين فهو من مظاهر تبرج الجاهلية أيضاً.. كذلك ارتداء البنطلون وإظهار الشعر وكشف اليدين والرجلين أو لبس المايوه.. فالمرأة عورة من رأسها إلى أخمص قدميها وكشف العورة مقت وفاحشة.. والمتبرجة جرثومة خبيثة ضارة تنشر الرذيلة فى المجتمع.. وإبليس هو رائد الدعوة إلى كشف العورات وتشجيع التبرج.. بل هو الزعيم الأول لشياطين الإنس والجن الداعين إلى تحرير المرأة من قيد التستر والصيانة والعفاف.
ومن مفاتيح النار التى كثرت فى النساء وصل شعرها بشعر أجنبى (الباروكة) ولو كان شعر حيوان.. وأخذ شعر الحاجب أو بعضه بلا ضرورة وتحمير الخدود، أو تخضيرها، ومساواة الأسنان ببعضها أو إحداث الفُرجة بينها.
هذه فقرات من كتب صفراء تحتشد بها المكتبات والأرصفة ويُقبل عليها العامة فى زمننا الوهابى الذى ما زلنا نعيش فى كنفه بامتياز ونتقدم فيه تقدماً نهضوياً عظيماً.. ونحرز فيه إنجازات حضارية رائعة حيث تسابقت فتاوى التكفيريين بخصوص المرأة بوابل من المحرمات الشاذة.. منها ضرورة إخفاء الوجه لأنه مثل الفرج عورة.. ووجوب ارتداء أكفان تخفيها عن الناظرين وتبعد شرها عن المؤمنين خوفاً عليهم من الزلل الذى يستوجب نار جهنم.. ذلك بينما يكافأ الرجل المؤمن فى فتاويهم بمكافآت مجزية وعطايا شهية مثل «نكاح الوداع».. ووطء الحيوانات ولذة الجنس الفمى..
هذه الكتب التى تحتقر المرأة وتحط من شأنها وتحصرها فى مجرد جسد يستدعى الشهوة ويحرض على الفجور ولا وظيفة له سوى اعتلاء الرجل لها وتحمل عناوين مثل: «لِمَ النساء من أهل النار؟» و«نساء أهل النار».
هذا المفهوم عن المرأة هو ما تبقى فى ذهن الشباب الذين يسعون للتحرش بها.. فما إن يرى الشاب أنثى -أى أنثى- تتحرك فى الشارع، حتى تنهار إرادته وتتداعى إنسانيته ويفقد فى لحظة واحدة قيمه ومبادئه وأخلاقه وكيانه الاجتماعى فينقض عليها ليفرغ شهوته على قارعة الطريق كالكلاب الهائجة.. وما بالكم لو كانت تلك الأنثى ترتدى بنطلوناً مقطعاً.. وما أدراك ما البنطلون «المقطع».. إنه آخر صيحة من ألاعيب الفاجرات المازوكيات لإثارة كوامن ذكورية المتحرش فتستنفر فيه ساديته المستترة ورغبته الدفينة فى تقطيع الملابس.. أثناء الممارسة الجنسية.. إنها توقظ فيه شبقه.. وتستفز «الوحش» فى داخله.. فيمتزج الجنس بالعنف وبدائية القنص فى الغابة.
إن المرأة حينما تمزق البنطلون بإرادتها إنما هى تلقى بسنارة الغواية وإشارة التحريض إلى المتحرش المتربص للفاحشة.. أى سادية «الوحش» فى مقابل مازوكية «الفريسة».
وفى ظل هذا التمزق الأخلاقى فى مدينة البغاء والفسوق فقد فاض الكيل بالورِع «نبيه الوحش» المحامى الذى حاول كثيراً أن يكبح جماح غضبه ويهدئ من روع «الوحش» بداخله.. والذى يستنكر انفلات هؤلاء من كان يظن أن هن «قوارير» نطالب بالرفق بهن فإذا بهن ينحرفن بارتداء تلك البنطلونات المشبوهة.. وسرن بها فى الشوارع والميادين واقتحمن بها الحرم الجامعى.. فقرر وهو المتخصص فى رفع دعاوى الحسبة أن يمارس دوره الريادى العظيم فى المحافظة على الأخلاق المرعية بصفته حامى حمى الفضيلة وحارس السجايا العطرة ورئيس مجلس إدارة «يوتوبيا» مدينة الملائكة على الأرض.. وأن يحمل لواء تطهير مجتمع الأنقياء من إغواء المرأة اللعوب ذات البنطلون المقطع فطالب بدعوة الشباب إلى التحرش بل اغتصاب تلك الفاجرات غير المحصنات واعتبار تلك الدعوة واجباً وطنياً وذلك من خلال برنامجه الذى يقدمه على قناة «الحدث اليوم» والمقصود من «الواجب الوطنى» طبعاً حشد الحشود وتجييش الجيوش وحث المواطنين على تدشين مشروع قومى يلتف حوله الشعب بطوائفه وأطيافه المختلفة على أن تكون المرأة فى طليعة كتيبة المناضلات ممثلة فى فضليات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، خاصة المجاهدات من هوانم الإخوان المسلمين اللاتى يجتثثن شعور النساء فى عربات السيدات بالمترو ويؤيدن تلك المجزرة الإنسانية المسماة «الختان» وزواج القاصرات.. ويكون هدف هذا المشروع القومى وشعاره «محاربة الفحشاء عن طريق ارتكاب الفحشاء ولا يفل الحديد إلا الحديد».. أى لا يفل المتحرشة إلا المتحرش والبادى أظلم.. وهى نظرية جديدة يضيفها المحامى الجهبذ لنظريات العلوم الإنسانية المعاصرة التى تضطلع بمواصلة مسيرة التقدم النهضوى فى منافسة افغانستان على المركز الأول فى التحرش على مستوى العالم فمن غير اللائق أن تقبع فى المركز الثانى.. ومن غير المنطقى ونحن أبناء حضارة سبعة آلاف سنة أن نتوقف عند (20) ألف حالة اغتصاب وتحرش جنسى فقط ترتكب فى مصر سنوياً (حسب دراسة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية)، أى إن هناك حالتى اغتصاب تتم كل ساعة تقريباً.. والفرصة سانحة لمضاعفة هذا العدد لعدة أسباب.. أولاً فشل الأمن (أو قصور القانون) فى علاج تلك الظاهرة فنحن لا ننسى أن هدية «الوداع» -كما وصفتها زعيمات الحركة النسائية- التى سبق أن قدمها المستشار «عدلى منصور» بإصدار قرار قانون لتغليظ عقوبة التحرش الجنسى ومع ذلك فالتحرش يتنامى ولا يتقلص.
وأيضاً فشل المثقفون المتحذلقون فى حصر أسباب الظاهرة -ومن ثم علاجها- فى حقد الفقراء على الأغنياء دون أن يدركوا أن «العشوائيين للعشوائيات» بمعنى أن هؤلاء الصبية المعتدين من الطبقة الدنيا يتحرشون غالباً ببنات نفس الطبقة.. وليس أيضاً تأثير الحياة المعيشية التى يعيشها هؤلاء حيث يتكدس الأبناء بناتٍ وأولاداً مع الأب والأم فى حجرة فينتفى الإحساس بالخصوصية ويمتهن الجسد الإنسانى مما يؤدى إلى جرائم العنف الجنسى وزنا المحارم بالإضافة إلى البطالة وازدياد معدلات الفقر خلال السنوات العشر الماضية.. وصعوبة الزواج.. وارتفاع نسب عنوسة الرجال.. وتفاقم معدلات الطلاق وصولاً إلى الحرمان والكبت.. وأما الحنجوريون والنخبويون (المحفلطون المظفلطون كما يصفهم أحمد فؤاد نجم) الذين ينادون بحتمية تحقيق التنوير الذى يشيع الوعى بين الناس ويشمل تجديد الخطاب الدينى وتنقيته وتطوير التعليم وهيكلة أجهزة الإعلام من جديد بما يضمن خلق وسائل اتصال فعالة وحيوية.. والاهتمام بالفنون الراقية ودعمها بحيث نضمن حرية التعبير والارتفاع بمستوى المتلقى فى مناخ حر يلفظ الأصولية الدينية.. ويتمرد على ثقافة الحلال والحرام السائدة.. فالحقيقة أن هذا كلام نظرى.. وهلفطة ندوات ومؤتمرات عاجزة بتشنجها الأيديولوجى وتقعرها السيسيولوجى الانبعاجى الائتلافى..
أما مناضلات ورائدات «المجلس القومى للمرأة» والجمعيات النسائية وتنظيمات تحرير القوارير من سيطرة ذكور الديناصورات المنقرضة ومنهن بعض عضوات مجلس الشعب الموقر.. فقد اتفقن بقيادة إحدى النائبات على حتمية إخصاء المتحرش.. الأمر الذى سيؤدى بالضرورة إلى خلق شرائح من أصحاب العاهات والسيكوباتيين والشواذ والمرضى العقليين من الفصاميين وهى بالطبع دعوة خيالية لا يمكن تطبيقها.
ومن هنا فإن دعوة «الوحش» -من وجهة نظره- هى أنسب الحلول فى طريق الردع الحاسم لتبرج وإباحية النساء..
وهكذا فإن الانقسام المجتمعى بين الأضداد من الغرماء يتبلور فى اتجاهين: محاربة الفحشاء عن طريق الفحشاء.. عن طريق داعشية إرهابية ترتدى أثواب التقوى والعفاف.. فى مواجهة إخصاء المتحرش وهى أيضاً دعوة داعشية إرهابية ترتدى رداء حقوق المرأة فى مجتمع ذكورى ظالم.. ولا عزاء إذاً للدولة المدنية المزعومة.. ومرحباً بتراجع مفاهيم وقيم الحضارة الحديثة..
ونحن إذ نهنئ ولى عهد السعودية بقراراته السريعة والقوية والحاسمة التى تكرس لثورة دينية فى طريق خلع عباءة الأصولية وفقه العصور الوسطى فإننا نبادره باسم «الوحش» وأنصاره وبالنيابة عن كل قوى الرجعية والتخلف أن يمضى فى طريقه بعيداً عنا.. فلا تؤثر فينا رسالته.. ولا تصل إليه رسالتنا.