هناك حالة من التجرؤ على مصر، مصدرها على وجه التحديد كل من السودان وإثيوبيا. وهو تجرؤ لا يقابله ردود فعل مناسبة. السكوت غير المفهوم من الجانب المصرى كثيراً ما يغرى بالمزيد. منذ أيام وضع وزير الخارجية الإثيوبية ساقاً فوق ساق وأنشأ يتحدث -كذباً- عن عدم وجود أضرار لسد النهضة على مصر. وزير الخارجية سامح شكرى رد على هذا الكلام بالإعراب عن قلق مصر من توقف أعمال اللجنة الفنية الثلاثية، وتطلعها إلى تعاون مثمر ما بين الطرفين المصرى والإثيوبى على مستوى هذا الملف. وزير الخارجية الإثيوبى كان يتحدث بعناد وحسم، فقد سبق أن قال ما هو أنكى وأدهى ولم يرد عليه أحد. فى شهر نوفمبر 2015، أى عقب أشهر قليلة من توقيع اتفاقية المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا، نقلت صحيفة إثيوبية عن وزير الخارجية قوله: «مصر الآن ضعيفة لا تستطيع أن تخوض حروباً فى الوقت الراهن، نظراً لما تعانيه من مشاكل فى الاقتصاد، والحرب التى تخوضها على الإرهاب فى سيناء». وقتها لم يرد عليه أحد، فتجرأ الأحباش أكثر وأكثر وارتفعوا ببنيان سد النهضة حتى أوشك على الانتهاء، وعرقلوا عمل اللجنة الفنية، وتعنتوا هم والسودانيون فى الاستجابة للمطالب المصرية، غير متحسبين لأى رد فعل! السودان أيضاً تجرأ علينا كثيراً. منذ أيام خرج وزير الخارجية السودانى وأكد أن مصر استخدمت لسنوات جزءاً من حصة السودان فى مياه النيل (18.5 مليار متر مكعب)، وأنها -أى مصر- منزعجة لأنها ستخسر عند اكتمال سد النهضة لكونه سيمكن السودان من حصته بالكامل. وهو ما رد عليه وزير الخارجية المصرى سامح شكرى بـ«اندهاشة»!
ليست تلك هى المرة الأولى التى يتجرأ فيها مسئول سودانى على مصر. فكم من مرة تحدث فيها مسئولون سودانيون عما يسمى حقهم فى استعادة «حلايب وشلاتين»، وكم من مرة هاجموا فيها مصر، وانحازوا إلى إثيوبيا، وتبنوا موقفها المتعنت مع الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل. لقد بلغ الأمر حد خروج وزير الإعلام السودانى ذات يوم ليعلن أن فرعون موسى أصله سودانى، وأن المصريين يزيفون التاريخ! السكوت يغرى بالمزيد من التجرؤ. وزارة الخارجية المصرية لا تملك سوى مجموعة من العبارات المحفوظة، فى مواجهة التبجحات الإثيوبية والسودانية، هى: «مصر تعرب عن قلقها»، «مصر تعبر عن استغرابها أو اندهاشها»، «مصر تتطلع إلى التعاون». لنا سنوات نستخدم هذه العبارات فى وقت تواصل فيه إثيوبيا، ومن ورائها السودان مخطط السطو على الحق التاريخى لمصر فى مياه النيل، وهو المخطط الذى يوشك -خلال شهور- أن يتحول إلى أمر واقع، سيضعنا أمام خيار من اثنين، إما الرضاء بالأمر الواقع، أو القبول بمساومات، لا يعلم أحد مداها ولا أطرافها حتى الآن. يحدث هذا فى مواجهة تحدٍّ وجودى، يتمثل فى مياه النيل، لن يلومنا أحد إذا دافعنا عنه بكل السبل الممكنة. لنتذكر أن إسرائيل قامت -بالباطل- بقصف المفاعل النووى العراقى عام 1981، لمجرد أنها أحست أنه من الممكن أن يشكل تهديداً لها على المدى البعيد. أما نحن فكفاية علينا الاستغراب والاندهاش!