(١) ما كان الإعلام المصرى ليقف ساكناً إزاء استقالة المرشد «عاكف» فى صبيحة الأحد ١٨ أكتوبر ٢٠٠٩، ثم البيان الذى أصدره بعدها بساعات لينفيها.. ففى ظهر يوم الاثنين ١٩ أكتوبر، اتصل ا. ضياء رشوان هاتفياً بالرجل لترتيب لقاء فى الليلة ذاتها مع الإعلامى عمرو أديب فى برنامجه «القاهرة اليوم» بقناة «أوربت».. رفض المرشد وأوصاه بالاتصال بى.. وبعد حوار معى، وافقت على الظهور فى البرنامج رغم أنى كنت مقاطعاً له لأن موعد بثه كان يبدأ فى نحو الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل وينتهى عند الثانية صباحاً، ومعنى هذا ألا أذهب إلى مقر المركز العام فى اليوم التالى.. بعدها بدقائق، جاءنى صحفى من جريدة «الشروق» لعمل حوار معى حول الأزمة وما انتهت إليه، فوافقت على أن يأتينى بمنزلى فى التاسعة مساء قبل ذهابى إلى قناة «أوربت».. وفوجئت بتلميذنا د. جمال نصار، السكرتير الإعلامى للمرشد، يأتى إلى غرفة مكتبى ليخبرنى بأن حسين عبدالغنى، مدير مكتب قناة «الجزيرة» فى القاهرة آنذاك، قد اتصل به يطلب تسجيل حوار معى لبرنامج «لقاء اليوم»، فقلت: لا نريد أن نلهث وراء الفضائيات، فقال: قناة «الجزيرة» أولى ١٠٠ مرة من قناة «أوربت» (هكذا)، وإذا كنا قد وافقنا لها فليس هناك ما يمنع من أن نوافق لقناة «الجزيرة».. ولما وجدت الكلام منطقياً، وافقت.
(٢) جاء «عبدالغنى» إلى دار المركز العام، وأجرينا تسجيلاً للحوار على أن تبثه القناة عصر اليوم التالى، أى الثلاثاء (٢٠ أكتوبر)، ويعاد بثه صباح يوم الأربعاء (٢١ أكتوبر).. وحين علم أنى سأظهر على قناة «أوربت» مساء الاثنين (١٩ أكتوبر)، اقترح أن تبث فقرة بسيطة من الحوار فى نفس الليلة، قبل بث قناة «أوربت».. وفعلاً بثت قناة «الجزيرة» فقرة مجتزأة من الحوار، لكن بشكل مغرض، ما جعلها تترك أثراً سيئاً لدى عموم من شاهدها من الإخوان، خاصة أن تقرير حسين عبدالغنى الذى سبقها كان -على حد قول من سمعه وشاهده- غاية فى السوء.. لم أذهب إلى دار المركز العام يوم الثلاثاء، وعلمت أن بعض أعضاء مكتب الإرشاد علق بالسلب على الفقرة التى بثتها قناة «الجزيرة»، غير أن أحدهم قام باستحضار تفريغ للحوار وقرأه على المرشد فكان رأيه إيجابياً.. ربما كانت هناك عبارة واحدة فقط تخصه لم تعجبه، لكن الحوار كان فى مجمله طيباً.
(٣) فى عصر يوم الثلاثاء (٢٠ أكتوبر) بثت قناة «الجزيرة» الحوار كاملاً، وكان مما جاء به من المعانى متضمناً: ا) عدم الإساءة إلى أى طرف من الأطراف، بل كانت الردود مهذبة للغاية حتى لا أعطى الفرصة لأحد -داخل أو خارج الجماعة- من الصيد فى الماء العكر، ب) الحديث عن الإيجابيات، وغض الطرف عن السلبيات التى تخص كلاً من المرشد، أعضاء مكتب الإرشاد، والدكتور عصام العريان (أساس الأزمة)، ج) محاولة تجنب الحديث عن أوجه الخلل الموجودة داخل الجماعة؛ سواء فيما يتعلق بالمرشد ذاته، أعضاء المكتب، المؤسسات، أسلوب الحركة، النظم واللوائح، الشورى، وغير ذلك من أمور، د) أن الإخوان بشر، يختلفون فيما بينهم أحياناً ويتفقون أحياناً أخرى، يجتهدون فى أمورهم فيصيبون ويخطئون، وهم مأجورون على كل حال، ه) أن المرشد «عاكف» فى التحليل الأخير إنسان يغضب ويفرح، يتفق ويختلف مع إخوانه، لكن تظل العلاقة الإنسانية والإخوة قائمة، وأخيراً و) محاولة إبراز الإخوان للرأى العام كجماعة تعمل فى العلن، لا فى السر، وهذا هو أهم ما فى الموضوع.
٤) أعيد بث حوار «القاهرة اليوم» فى قناة «أوربت» فى صبيحة الثلاثاء، أما حديث صحيفة «الشروق» الذى جرى مساء الاثنين، فقد نشر صبيحة الأربعاء ٢١ أكتوبر، وقد تضمن كلاهما نفس المعانى.. غير أنى فوجئت فى جلسة مكتب الإرشاد التى كنت أترأسها صبيحة نفس اليوم بهجوم شديد كأنه طلقات رصاص، خاصة من د. محمد بديع ود. محمود غزلان، وبدرجة أقل كثيراً من د. محمد مرسى، محيى حامد، وجمعة أمين.. كان الهجوم بسبب حوارى مع قناة «الجزيرة» وصحيفة «الشروق».. أما لاشين أبوشنب فقد أثنى على حوار «الجزيرة»، إلا أنه كان معترضاً فقط على وصف ما حدث بين المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد بالأزمة.. تعجبت كثيراً من د. بديع، فقد عهدته هيناً، ليناً، لطيفاً، رقيقاً، ووديعاً، لكنه كان فى هذا الموقف مختلفاً تماماً.. لقد كان قاسياً، فظاً، غليظاً، عنيفاً، ومندفعاً؛ كأنه يخوض معركة حربية مع خصم لدود.. فما الذى جعله يتخلى عن رقته ووداعته ويأخذ هذا المنحى المريب؟ وهل نسى أنه يخاطب النائب الأول للمرشد؟ كنت أتوقع منه أن يسأل بشكل هادئ وموضوعى عن السبب الذى حدا بى أن أقول فى الحوار ما قلت.. فهل كان يتكلم بلسان حال «المرشد المقبل» الذى تم الاتفاق عليه (بليل وضد كل قيم الأخلاق والسلوك) من قبل الدائرة الضيقة التى سميتها للمرشد «عاكف»؟ الغريب والعجيب أن مجمل رأى «بديع» و«غزلان» كان يتلخص فى شىء واحد فقط هو أن كاتب هذه السطور أفشى أسرار الجماعة(!!!)
(٥) استمعت إلى الأعضاء المهاجمين بإنصات كامل على مدار ساعة كاملة، لم أقاطع فيها أحداً.. لكنى كنت فى قمة الذهول وأنا أستمع إليهم.. إذ محال أن يكون هذا هو تفكير أعضاء مكتب إرشاد يقود جماعة بهذا الحجم والتاريخ(!!) ولما كان وقت صلاة الظهر قد دخل، فقلت: نقوم إلى الصلاة ثم نعود لمناقشة ما تحدثتم فيه.. وبعد الصلاة اجتمعنا مرة أخرى، وإذا بهم يقولون: خلاص.. انتهى الأمر.. قلت: لا.. لم ينته، فقد تكلمتم وقلتم ما عندكم، ومن حقى أن أرد على كل ما أثرتموه.. ثم توجهت بحديثى إلى «بديع»، وقلت: يا أخ «بديع».. لم أرك يوماً عنيفاً بهذا الشكل.. فرد بصلف قائلاً: من المعاناة.. انزل إلى الصف وأنت ترى.. الإخوان فى الصف فى غاية الغضب(!!) قلت: نحن الآن نواجه ثورة فى المعلومات والاتصالات.. نحن نعيش عصر السماوات المفتوحة.. لقد انهارت الخصوصية بين الدول وبعضها، بين الأنظمة والحكومات من جانب والأحزاب والجماعات والتنظيمات من جانب آخر.. لم تعد هناك أسرار يمكن إخفاؤها كاملاً.. الأسرار بيننا وأهلنا وأولادنا أصبحت -للأسف- متاحة ومباحة، وما كان جائزاً بالأمس لم يعد جائزاً اليوم.. يجب ألا تنسوا أن حديثنا هنا منقول على الهواء مباشرة، بالصوت والصورة.. ثم وهذا هو المهم، لا بد أن يعرف الرأى العام منا ما يجرى على حقيقته، حتى لا تستغل أى معلومة على غير وجهها الصحيح من قبل الخصوم فى تشويه صورتنا.. (وللحديث بقية إن شاء الله).