سلامٌ عليك، أما بعد..
مضت أيام عدة منذ آخر مرسال إليك، ومضت أيام أكثر منذ آخر لقاء بيننا، فربما لن نلتقى ثانية نتيجة العديد من التغيرات التى طرأت الأيام الماضية، ولكنى سأكمل ما بدأته بالكتابة إليك؛ لعلك تقرأ ذات يوم، ونلتقى صدفة كما عهدنا ولكن بمكان آخر.
الأيام تمر تلو الأيام وتأخذ معها الكثير، حتى أننى وجدت نفسى والعام قارب على الإنتهاء، وفى كل عام يأتى ديسمبر ليحمل معه خزائن ذكريات العام وخزائن ذكريات كل عام مضى، ليثبت فى كل مرة أنه قادر على تقييم ذاتك، وكشف حساب ربما لقرارات بداية العام، ويحمل معه أيضاً قرارات لعام قادم، ففى ديسمبر لن تنتهى الأحلام، ربما تُؤجُل، فالأحلام لم تُخلق للانتهاء، الأحلام حُرة.
فكرت منذ بضعة أيام فيما اكتسبته وما خسرته وما أنجزته خلال العام، عامى المليئ بالإنتصارات الصغيرة التى أصفها دائما بالمبهجة، وجدت نفسى غير مستسلمة لما مَر، وغير مهتمة بما مضى، وغير نادمة على قرار قد يصفه البعض بالخسارة، ولكنى صنفته ضمن انجازاتى الصغيرة.
"How to let go" ساقتنى الأقدار خلال الأعوام الماضية اكتساب مهارة "التَرك"، والقدرة على إفلات يدى وجعل الأمور تمضى وتمر دون الكثير من الندم أو الإحساس بالخسارة، لأننى فى كل مرة أقف أمام اختبار مثل هذا بقوة وصبر ورضا، يكافئنى الله بجميل قدره، وحُسن تدبيره، وربما بحلم مُؤجل، فكان عامى هذا استمراراً لسلسلة How to let go، وتطويراً لما اكتسبته تعلمت أن للآخرين الحق فى "التَرك" وإفلات يدهم أيضاً حتى وإن كانت عنك أنت شخصياً، فكان هذا درساً جديداً.
هذا العام تعلمت قدرة أخرى، فكان عامى هذا هو الأكثر فى مرات الإصابة ب" الصمت"، ليس مجازاً ولكنه أمراً حقيقياً، فقد أصبت أكثر من ثلاثة مرات خلال العام بعدم قدرة صوتى على الظهور وعدم قدرتى على الحديث، الأمر الذى يستمر لما يقترب من شهرين فى المرة الواحدة، فبعملية حسابية بسيطة، يمكننى القول أن صوتى اختفى نصف عام، لا أعلم الحكمة من ذلك إلى الآن، ولكنى ربما تعلمت رسالة صغيرة، وهى أن تكن ملكاً على ما تقوله، وألا يكن ما تقوله ملكاً عليك.
لم يكن عامى كأعوام سابقة خرجت منها بإحساس بالفقد المُحزِن، أو العثرات المؤلمة والأوجاع، ولكنه كان أقل وجعاً وأقل تعثراً، هذا لا يعنى أنه كان الأجمل، ولكنى أؤمن أن اليوم نفسه به العديد من التقلبات، ولشخصية متقلبة المزاج مثلى فهذا يحدث كثيراً، ولكنه كان عاماً مليئاً بأوقات سعيدة، كان العام الذى كنت شاهدة فيه على ربط عُقد الوصال بين العديد من القلوب والأحبة، فكان عاماً مليئاً بأفراح صُحبتى، كان لكل منهم فرحة حقيقية نابعة من القلب، ودعوات بمحبة ومودة مدى المدى، فكان ذلك انتصاراً آخر اكتشفت تحقيقه، فقد أسميت العام قبل بدايته بعام الفرحة، وقد كان، حمداً لله.
عامى الذى سمحت فيه لحلماً مؤجلاً منذ سبعة سنوات أن يكتمل؛ ففى بداية مرسالى قلت لك أن "الأحلام ربما تؤجل، الأحلام لم تُخلق للإنتهاء، فالأحلام حرة"، نعم يا عزيزى، فأنا الآن "طالبة تمهيدى ماجستير إعلام القاهرة" فكان انتصاراً آخر باختيارى ضمن ثمانية عشر طالب فقط " بقسم الصحافة"؛ ليكملوا هذا الحلم بعد تصفية أعداد كبيرة من بين المتقدمين، فلتدعو الله أن يعيننى على ذلك، وأن أترك أثراً كما حلمت.
مازال للعام بقية حتى وإن كان يوماً واحداً، ومازالت هناك انتصارات صغيرة مبهجة قادرة على تحقيقها، ومازال هناك أحلام فى الخطة يمكن أن تُنجَز قريباً، فلنكن أحرار فى أحلامنا واختياراتنا يا صديق، فأن تكون حراً فهذا انتصار أبدى.
يا صديقى، لا تسمع لمن ينصحك بالاكتفاء، حاول فى كل مرة كأنها المرة الأخيرة، وأخذ استراحة محارب وراقب إن استمرت العثرات، وابتعد بعدها للأبد إن خُفتت رغبتك وقل شغفك، ابتلع قسوة الأيام والذكريات وابتعد بقدرة قوة الحنين إليها، اعتن بنفسك وبروحك وبقلبك، فهم الباقون معك حتى النهاية، عُد أسماء الحاضرين فى كل وقت وحين ولم يبخسوك قدرك، ضع سماعات أذنك وارفع الصوت إلى أعلى درجة بقدر كافٍ لامتصاص غضبك من أى شئ، هدئ من روعك وأبدأ من جديد مع كل نهاية، تمشى قليلاً مع كل مرة تشعر فيها بإحباط أحد أو فقدان شئ، تمشى بقدر تشعر بعدها بخفة خطواتك وحركتك المتماشية مع ما تسمعه الآن، دع الشتاء بداية ودعه يغلف قلبك ويعيد توازن نبضه، غنى بصوت عالى وأطلق العنان لدموعك إن شاءت الحضور، لا تخفيها؛ الدمع سيطهرك ويعيد توازنك، استمع إلى تسجيلات أحبتك وأضحك من أعماق قلبك، تخلص بالضحك مما يؤلمك، عُد إلى البيت فى كل مرة خسارة واختر فيلماً تحبه ترى نفسك بطله وصادق أبطاله، أكمله حتى النهاية، صوِّب قلبك نحو السماء، أنت هنا بالتحديد، فلترجو ما تريد وصدِّق..
عام سعيد يا عزيزى.