مع ظهور فجر أول أيام العام الجديد انطلقت عربة الأحلام التى تجرها أربعة غزلان ذهبية اللون إلى الفضاء فى رحلة سنوية لا تعود منها، ولكن ترسل بعض هداياها على مدار السنة من ضمن ما حملته معها من أحلام فى صورة مفاجآت سعيدة. وقد قضيت عاماً كاملاً أعد ما ستحمله معها خلال هذه الرحلة من أمنيات كتبتها فى وريقات صغيرة ملونة كل واحدة تحتوى بضع كلمات ولها لون خاص يشبه الأمنية أو يحمل لون السعادة التى ستُغرقنى فيها إذا تحققت. وقد اعتدت أن أكتب أمنياتى منذ طفولتى، فقد علمنى أبى رحمه الله، وكان فارس أحلامى وسلطان العالم كله بلا منافس ودائرة الأمان الأولى القريبة من قلبى الصغير، أن أكتب ما أريد فى ورقة صغيرة قبل أن أخلد للنوم وأضعها إلى جوارى. ولأنه كان أمير أحلامى ومحقق المعجزات ومدبر الاحتياجات ومحقق الآمال فى عالمى الصغير، فقد كنت أستيقظ لأجد ما تمنيته وكتبته له إلى جوارى. وعندما تركنى ورحل اعتدت أن أرسل أحلامى كل عام فى هذه العربة إلى السماء وأنا لا أعرف ماذا سيتحقق.
أحدثكم، أحبتى وأصدقائى، عن أمنيات العام الجديد، أو أهمها، فقد تمنيت أن يهبنى الله التميز والإحساس العالى بالآخرين لأقترب من الإبداع، فقد أُصبح من المبدعين يوماً ما، ولم لا وقد قرأت وتعلمت وتتلمذت على أيدى المبدعين المصريين كل فى مجاله؟! وإذا بدأنا بتعريف الإبداع فهو اسم والفعل أبدع يعنى أتى البديع أى أوجد الشىء من عدم، ونحن نقول فى أحاديثنا «أبدع الله الكون»، أى خلقه وأوجده من عدم، والتفكير الإبداعى هو التفكير الخلاق، وعندما يكون الحديث عن آلة فنحن نقصد أنه أنشأها أو اخترعها، أما عند الحديث عن الشعراء فإن الشاعر المبدع المجدد هو الذى يأتى بالبديع من القول فى أجمل نظام. والإبداع والابتكار والتجديد عناصر أساسية لتطوير الحياة، حيث يؤكد علماء النفس والفلاسفة أن فريق المبدعين ضرورى ولا تقوم الحياة بدونه لأن مدار التجديد والتحسين يعتمد عليه، فهؤلاء لا يكتفون بالتعامل مع الموجود ولا بتكراره والسير على الأنماط المألوفة، بل يملكون النزوع نحو التغيير والقدرة عليه، فإذا كان تغييراً نحو الأحسن فهو الإبداع وأصحابه صنف نادر فى الحياة وعليه المعوّل فى تحويل تيار المجتمع نحو الأفضل.
ومن أجمل ما تضمه المكتبة العربية موسوعة المبدعين العرب فى القرن العشرين التى أعدها خليل خليل أحمد وسجل فيها أهم الأسماء والأعمال التى دخل بها هؤلاء فى زمرة الإبداع والمبدعين وتضم عدداً كبيراً من الفنانين المصريين فى مختلف التخصصات، ومنهم أحمد رامى شاعر الحب الذى غنت له أم كلثوم أجمل الكلمات، وإبراهيم ناجى وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودى، هذا بخلاف المئات فى مختلف التخصصات العلمية أيضاً. وتضم الموسوعة وصفاً عن كيفية تقييم أى عمل إبداعى أو شخصية مبدعة، حيث يوجد عناصر لأى عمل إبداعى أو شخصية مبدعة، وأهمها المرونة والطلاقة والأصالة، بمعنى سيولة المعلومات المختزنة وسهولة استدعائها وتنظيمها وإعادة بنائها وغزارة الإنتاج وسرعة توليد وحدات من المعلومات والتفرد بالفكرة أو أن تكون الفكرة المبدعة جزءاً من شخصية المبدع. ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل إن هناك أنواعاً للإبداع وكذلك نظريات عالمية كل منها تضع له تفسيراً، فهو قد يكون نوعاً من الإلهام أو نابعاً من الشخصية أو من تأثير الطبيعة أو الموهبة والعبقرية، أما أهم تلك النظريات فهى نظرية «فرويد» التى تقول إن الإبداع قد يأتى نتيجة لأحلام اليقظة التى يتهيأ فيها الفرد باسم اللاشعور لاستقبال الإلهام، فادعوا لى أحبتى أن تتحقق أمنية العام الجديد وأنضم ذات يوم إلى المبدعين المصريين.