تابع ملايين المصريين حفل توزيع جوائز اتحاد الكرة الأفريقية، وبالتأكيد لم تكن المتابعة ممتعة للكثيرين الذين وجدوا أنفسهم لأول مرة فى مواجهة ثقافة أفريقية مغايرة تماماً للثقافة المصرية، وإن كان للقاء غرابته، لكن له مميزاته، فنحن كثيراً ما نتكلم عن امتداداتنا الأفريقية لدرجة ذكرها فى ديباجة الدستور، إلا أننا لا نعرف عن هذا الامتداد شيئاً، فالثقافة الأفريقية غنية مليئة بالقيم الراقية وأهمها الاحتفاء بالإنسان والتعبير عن الفرح والحزن على حد سواء بالرقص، الاعتداد بالذات وبالجسد، فقلما تجد امرأة أفريقية فى معركة مع جسدها تريد التخلص من انحناءاته أو أجزاء منه.. بقدر اختلاف الثقافة الذى أصاب البعض بالملل إلا أن الجميع ظل قابعاً أمام التليفزيون لا يريد أن يدير إلى قناة أخرى، وبالتأكيد أسعدتنا «الكاف» بفور المنتخب المصرى، ومدربه أيضاً، إلا أن ذلك لم يُشبع شغفنا أو يقلل حماسنا فى الانتظار، فقد كان الجميع ينتظر الجائزة الكبرى، جائزة الابن الذى دخل كل أسرة مصرية واقتحم القلوب دون سابق إنذار، كنا فى انتظار جائزة واحدة لا نريد عنها بديلاً أو ترضية، وهى جائزة محمد صلاح اللاعب المصرى ليكون الأفضل.
انتظر الملايين هذه الجائزة أكثر من ساعتين، كل هذا لم يُثنِ عزائمنا عن المتابعة حتى الجائزة الكبرى، الجائزة الشخصية التى تسلَّمها صلاح بيد كل مشاهد تابع الحفلة لآخرها من أجل هذه اللحظة، لم يتكاسل ولم يقُل: سأشاهد هذه الدقيقة على «اليوتيوب»، لماذا؟ لماذا شكّلت جائزة محمد صلاح جائزة شخصية لكل متابع؟
لأن الشاب نموذج رائق، بلا ادعاء، عن أحلام الكثيرين لأبنائهم، دمث الخلق، متواضع، والأكثر من ذلك والأهم هو الشغف بما يريد، الرغبة الجامحة فى الوصول إلى حلمه، حلم مبنى على دأب وإصرار وليس على تهويمات وتخيلات، كثير من الآباء والأمهات يريدون أبناءهم مثل محمد صلاح، ولكن هل يريد الأبناء؟
كثير من الأبناء يحلمون بأن يكونوا مثله، ولكن هل الآباء والأمهات يريدون؟
الدرس الأساسى الذى أعطاه صلاح للكثيرين: دعموا أبناءكم فيما يريدون، اكتشفوا ما هم شغوفون به وساعدوهم على بذل الجهد من أجله، لا تدفعوا الأولاد للعبة كانت حلمكم وأنتم صغار، فليس أشد بؤساً من طفل يبكى وأمه وأبوه يجرّانه إلى ملعب لا يريده، أو طفل يبكى لأن أمه وأبوه يجرّانه خارج ملعب يود أن يمشى من أجله كيلومترات ويركب أربع ساعات حتى يصل إليه مثل محمد صلاح.
هذا هو الدرس الأهم، دعموا شغف أولادكم مثلما دعمت أسرة محمد شغف ابنها، نفسياً وإنسانياً ومادياً أيضاً رغم محدودية الحال كما قال أكثر من مرة، إن كانت الجائزة تسلمها صلاح، فلكم استحقتها عن جدارة أسرته.