قبل 7 سنوات من الآن كنت قد بدأت استشعر أن معدل الانحطاط في الذوق الفني في تصاعد كبير وأنه لا أمل في تحسنه أو تغيره أو تبدله.. حيث فجأة غزت الأفراح والنوادي والكافيهات أغاني في الأساس كنا نسمعها في الميكروباصات.. وهي ما يطلق عليها أغاني المهرجانات.. فهي تلك الأغاني التي أبسط ما يمكن أن نقوله عنها أنها تخاصم الذوق والفطرة السليمة في الاستمتاع بالموسيقى عموماً كفن يهذب الأخلاق.. ويرتقي بها.. ولا ينحدر أبداً مع انحدارها.
ففيها كلمات لا تغنى.. وموسيقى صاخبة لا تنتمي أصلا لمعنى كلمة موسيقي.. بل هي أقرب ما تكون للإزعاج والضوضاء والتلوث السمعي المريب.. فهي تخاصم الفن شكلا ومضموناً.
وبينما كان يقال بعد ثورة يناير بحوالي عام ونصف ومع صعود التيار الديني المتطرف للحكم أن الشعب الذي اختار حزبا دينيا ليحكمه هو نفسه الشعب الذي جعل فيلم "شارع الهرم" المسف من وجهة نظر الكثيرين ينجح ويحقق إيرادات ضخمة في ازدواجية مريبة..
أصبحنا الآن في مرحلة تهذيب فني متميز حيث شهدت هذه الفترة نوع من الفرز وتغيير السلوك وإعادة تهذيب وتوجيه توجهات العامة، فمع صعود التيار المتطرف للحكم بات أن كل شيء سيكون متطرفا، حتى أصبحت الموسيقى نفسها متطرفة فبتنا نسمع أغاني تنسب زورا للغناء وما هي بالغناء، حتى أنني أنا شخصياً قد تعرضت للاستماع لتلك الأغاني قهراً في خطوبتي قبل ثلاث سنوات بدعوى أنها الأفضل للرقص.. وهو ما ساءني جداً.
لكن بعد رحيل نظام الأخوان ومرور عامين على رحيلهم بدا أن تلك الظاهرة في تراجع مع تراجع الوجود الفعلي للتيار الديني المتطرف في الشارع المصري، وبدا لي أن الجمهور بدأ يحسن من ذائقته الفنية تلقائيا.. فعدت استمع في الميكروباصات والكافيهات لأغاني كوكب الشرق أم كلثوم والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.
وفجأة تسربت أغاني جيل الثمانينات إلى نفس الأماكن وعاد اسم بحجم الفنان عمرو دياب إلى الظهور لدى شريحة كبيرة كانت تعتبره قد راحت عليه.. حتى أنني بالفعل صرت مؤخرا كلما ركبت تاكسي أو ميكروباص يصادفني فيه صوت عمرو دياب بنسبة 70% على الأقل.. وكأن الجميع اتفق على أن يستمعون له حتى صار عمرو دياب في كل ميكروباص وكل تاكسي.. وكل كافيه تقريبا بشكل شبه يومي.
وهذه ظاهرة أسعدتني جدا.. فعلى الرغم من كوني اعتبر نفسي واحداً من عشاق هذا الفنان المبدع عمرو دياب الذي أراه لا يزال قادر على تحطيم الأرقام القياسية دوماً.. إلا أن سعادتي بوصوله لشريحة كنت أظن زوقها قد فسد تماماً يجعلني مستبشراً بأن الفن الجيد سيفرض نفسه في السنوات القادمة.. ولا أنظر للفنان عمرو دياب باعتباره المصدر الوحيد للفن الجيد في زمننا.. لكنه قائد لهذا الفن باختيارات ترضي أذواق أغلب مستمعيه فلا يزال يتمتع بقدر كبير من التألق الذي يصاحبه دوما كأنه لا يزال مطرب جديد يبدأ مسيرته وليس مطرب يغني منذ أكثر من ثلاثون عاماً.
فبشكل شخصي وبينما كنت في المرحلة الابتدائية في أواخر الثمانينات كان صوت عمرو دياب هو أول صوت يشدني لاستمتع بغناء جديد ومختلف عن نجوم زمن الفن الجميل لأجد فن جميل بشكل آخر أو هو شكل عصري مازجاً الكلمة الحلوة باللحن الرشيق بتكنولوجيا العصر.. فحين تستمع له لابد وأن تشعر بالفرحة والبهجة والسعادة وهنا هو دور الفن الحقيقي حين يصل بك لحالة من النشوة والسعادة لا أتصور أبدا أن تحدث لأي إنسان كان بأغاني المهرجانات كما يطلقون عليها.
لذلك أقولها من قلبي مرحبا بعمرو دياب في الميكروباص هو وكل مطربي جيله وكل من ينتقي الكلمة واللحن الجيد ليكون الفن وسيلة لتهذيب الأرواح وليس تعذيبها!