حينما تحصل على مساحة للكتابة فى جريدة «الوطن» المحترمة بتشجيع من رئيس تحريرها الصديق العزيز محمود مسلم فيجب أن تستغل هذه الفرصة لخدمة قضايا الوطن وهموم المواطن، وهذا ما حاولت أن أفعله منذ مقالى الأول فى هذا المكان قبل ثلاث سنوات، وحرصت أن يكون قلمى لطرح الحلول قبل المشاكل التى يعانى منها بلدى، وفى السطور التالية سوف نطرح حلولاً لمشكلة مزمنة، وهى أزمة المواصلات وفوضى المرور، وهى مأساة يومية للمواطن وإساءة عالمية لمصر وكارثة اقتصادية، لأن فاتورتها بمئات المليارات تتحملها الدولة والمواطن من استهلاك للوقود وإهلاك للسيارات والطرق وإضاعة للجهد والوقت والإنتاج،
النقل الجماعى هو الحل السحرى للقضاء نهائياً على أزمة المواصلات والمرور، وللأسف الشديد كل الحكومات السابقة لم تقتحم المشكلة بجرأة ولم تعطها أولوية، بل كان التشخيص خطأ، وطبيعى أن يكون العلاج أيضاً خطأ، وأتمنى من الحكومة الحالية تدارك أخطاء الماضى، فالأزمة سببها هو «السيارة الخاصة»، بمعنى أن المواطنين بسبب عدم وجود منظومة نقل جماعى محترمة فإنهم يضطرون إلى استخدام سياراتهم الخاصة، ما أدى إلى تكدس الشوارع بأضعاف طاقتها الاستيعابية، بل وصل الأمر إلى قيام بعض المواطنين بشراء سيارات خاصة وهم لا يستطيعون الإنفاق عليها حتى يرحموا أنفسهم وأسرهم من مهانة المواصلات العامة، النقل الحضرى المحترم يشجع المواطن على ترك سيارته الخاصة، والأوتوبيس الواحد يستوعب 50 راكباً، أى إنه بديل لخمسين سيارة فى الرحلة الواحدة، إذا افترضنا أنه يقطع 20 رحلة يومياً فى 50 راكباً يساوى 1000 سيارة وحالياً هناك أوتوبيس أكثر من عربة (ترولى باص) حمولته أكثر من مائة راكب، هيئة الجايكا اليابانية عام 2010 قدرت عدد رحلات المصريين فى وسائل النقل بـ23 مليون رحلة يومية، منها 5 ملايين فقط فى القاهرة الكبرى وبحسبة بسيطة 1000 أوتوبيس فى 100 راكب يساوى مليون سيارة خاصة يتم الاستغناء عنها تماماً ورفعها من الشوارع، هذا هو الحل النهائى لكل مشاكل المواصلات والمرور والانتظار، وحتى لا يفشل يقوم به القطاع الخاص تحت رقابة الدولة مع تحرير سعر الخدمة، لأنه يستهدف فئة معينة من المجتمع وهم أصحاب السيارات الخاصة، وهى خدمة غير مدعمة وتختلف عن أوتوبيسات النقل العام التى تخدم محدودى الدخل، فى ظل أزمة المرور الحالية فإن تكلفة استخدام المواطن لسياراته الخاصة «مائة جنيه» يومياً فى الرحلة الواحدة (شاملة استهلاك الوقود والسيارة وقطع الغيار والانتظار) داخل المدن، لو وُجدت وسيلة نقل جماعى محترمة تكلفتها «عشرون جنيهاً» سوف يستخدمها المواطن بدون تردد، لأنها لن توفر له الأموال فقط ولكن أيضاً ترحمه من الإجهاد البدنى والنفسى بسبب القيادة التى تؤثر أيضاً على أدائه فى العمل، النقل الحضرى ليس بدعة فهو مُطبق فى معظم دول العالم وأنهى مشاكلها فى المرور والمواصلات ولكننا مصممون على اختراع العجلة من جديد، رغم أنه ليس فقط حلاً للمشكلة بل تستطيع الدولة أن تربح منه كثيراً إذا أحسنت استغلاله، ومحافظات القاهرة الكبرى كمرحلة أولى تحتاج «1000» أوتوبيس تكلفتها نحو مليار جنيه يتم طرحها على المستثمرين، النقل الحضرى يتميز أيضاً بالمرونة، بمعنى أنه يغطى كل الشوارع والمدن عكس مترو الأنفاق، حيث يرتبط بالسير على قضبان فى مسارات محددة، ولذلك يجب على الدولة إعادة النظر فى إنشاء خطوط مترو جديدة، لأن تكلفتها مرتفعة جداً أكثر من مليار جنيه لكل كيلومتر (المليار يشترى ألف أوتوبيس)، كما أن تكلفة نقل الراكب الواحد على الدولة فى مترو الأنفاق تساوى «250 جنيهاً» أى أكثر من السيارة الخاصة، ولأن الموضوع مهم نستكمله المقال المقبل وتحيا مصر.