اعتدنا فى التاريخ المصرى أن يتحدث «الرؤساء» ويصمت الشعب، أن يقرر «الرئيس» ويخضع المواطن للقرار، أن يكون الحديث عن الحريات العامة وحقوق الإنسان مكانه «جرائد وأحزاب المعارضة»، أو المنظمات الحقوقية.. وليست فى مؤتمر عام يتابعه العالم أجمع على الهواء مباشرة.. ليرى الجميع «الرئيس»، وهو ينصت، ويتحاور، ويضحك، ويغضب، ويلوم بعض المسئولين على الملأ.. لكنه -أبداً- لا يراوغ، ولا يهدد جيرانه الأشقاء، ولا يستخدم «مفردات الردع» إلا فى مواجهة الإرهاب والمساس بالأمن القومى لمصر!. ولعلها المرة الأولى التى أرى «أحزاب المعارضة» ممثلة فى مؤتمرات الرئاسة.. بل وكل من «ادعى» أن «الأجهزة» دبرت له فضيحة أخلاقية تجده ملهوفاً على الوجود فى «مؤتمرات الشباب»، التى تقام تحت رعاية السيد الرئيس.. وكل من صور له خياله المريض أنه «مضطهد» ومستبعد تجده هناك.. لو كان واحداً من هؤلاء تم إقصاؤه لوجب عليه أن «يقاطع»، ليسجل موقف أنه «ضحية» نظام يصفى معارضيه.. لكن ما يحدث هو دليل على «شعبية الرئيس»، مهما كان حجم الاختلاف فى الفكر أو حول أداء النظام أو قرارات الرئيس نفسها!.
فى يوليو 2014، بعد أول خطوة باتجاه برنامج الإصلاح الاقتصادى، أعلن «السيسى»، فى خطابه بمناسبة ذكرى انتصار العاشر من رمضان، أسباب تحريك أسعار المحروقات والطاقة، قائلاً: «القرار بيقول إنه ما يتاخدش دلوقتى، الناس بتحبك، خليها تفضل تحبك، حافظ على شعبيتك، أنت ليس لك ظهير سياسى ولا حزب، لكن أنا قلت أنا ليا ربنا والمصريين، وانتوا يا مصريين لازم تفرّقوا وتعرفوا، أنا باعمل عشانكم كلكم).
وبعد تحرير سعر الصرف 2016، قال «السيسى» لجريدة «فايننشيال تايمز»: «أنا أعلم تراجع شعبيتى، لكننى لا أخوض مسابقة شعبية، وترشحى لفترة ثانية مرتبط بقدرة المصريين على تحمل المشاق والتضحية»!.
وفى مؤتمر «حكاية وطن» لم يكن الهدف هو استعراض ما تم من إنجازات خلال 42 شهراً حتى الآن، بحثاً عن التصفيق و«البروباجندا السياسية»، بل كانت جلسات الحوار مناقشة بناءة مع الخبراء والمختصين حول الرؤية المستقبلية لما تحتاجه مصر.. وكان «المواطن» هو «البطل».. وفى جلسات المؤتمر كان الرئيس يؤكد أن ما تم إنجازه كان بجهود المصريين.. بداية من ثورة 30 يونيو وحتى حفر أنفاق قناة السويس.. ليلخص مفهومه لمقولة: «يد تبنى ويد تحمل السلاح».
لو كان الرئيس «السيسى» يبحث عن الشعبية بالمفهوم التقليدى، أو عن «زعامة» قائمة على وعود وهمية والترويج لمشروعات مفبركة ما حذر الرئيس الشعب: «تخيروا واختاروا ولا تعطوا صوتكم إلا لمن يستحق»!.
إنه يصر على أن تكون تجربته فى الحكم «مختلفة»، فتأتى الانتخابات الرئاسية فى عهده «شفافة ونزيهة»، وأن يكون «ماراثون الرئاسة» اختباراً حقيقياً لنزاهة الرئيس المقبل وكفاءته. الرئيس «السيسى» لم تتملكه شهوة السلطة، ولا الشغف بالنفوذ والسطوة السياسية، رغم امتداد زعامته للعالم العربى والإقليمى، ومساهمته فى تغيير «موازين القوى» فى العالم بأسره.. الذى اعترف بشرعيته وجدارته بالحكم واحتراماً لإرادة شعبه. ولهذا، بعد ما يقرب من أربع سنوات من وجوده فى الحكم، يعلم الرئيس أن له «ظهيراً شعبياً» أقوى مما نتخيل جميعاً، وأن حزبه السياسى يضم غالبية المصريين الذين راهنوا عليه، وكلفوه بالحكم، ومنحوه تفويضاً مفتوحاً فى الحرب على الإرهاب.. دون «رشوة سياسية».. إنه طراز خاص من «شعبية» لم نألفها، لأنها ممهورة ببصمة «السيسى».