كان (جلال) طفلا إمبراطورا منذ ولادته بإقليم السند، ولد ونشأ وسط حروب ونزاعات، مناحرات وقتالات، حتى شرد، وهددت حياته طفلا ، مات أبوه الإمبراطور (همايون)، فأصبح عاشقا يهرب من الموت يوميا، يرى القتل والحرب والدمار، والخلاف يشتت الوطن والمواطنين، ووسط كل هذا العبث القتالي نشأ الطفل الصغير، دون أن ينل التعليم الكافي، فلم تكن ظروف الاختباء والهرب من الموت تسمح له بذلك، لكنها أضمرها في نفسه، وعلم وهو ابن السنوات القليلة والحكمه الكبيرة، أن للعلم سحر، وقوة ونفع كبير.
لقد أوتي الحكم صبيا، ومن يؤته حديث السن لا يكون أبدا عاديا أو اعتياديا! كان عليه التصدي لأخطار كبيرة، مملكة مترامية الأطراف، متنوعة الأديان والأطياف، وهو المغولي الأصل المتباهي بنسبه لأكبر وأشهر حكام المغول (جنكيزخان)، و(تيمورلانكً)، مسلم الديانة لكنه منفتح الأفق تواق للمعرفة، يريد أن يسمع ويعرف ويتعلم، قرأ في المسيحية أتى بكبار القساوسة ورجال الدين المسيحي، وسمح لهم بالتبشير وإقامة الكنائس، استمع لعباد الصوفية وعشقهم لله على طريقتهم وانفتاحهم على جميع ديانات الله وتسامحهم، قرب إليه الشيعة والبراهمة، وأعطى لهم المراكز والوضع الراكز، استفاد من العلماء شباب وعجائز، أقام دورا عديدة للعبادة، لكل المذاهب والمعتقدات، أخذ الجميع تحت عباءته لتوحيد صفوف إمبراطوريته، أعطاهم الحضن الكبير الذي حرم هو منه صغيرا وفتيا، أعطاهم الأمان والطمأنينة الذين حرم منهما طفلا طريدا مهددا بالقتل، وانتزاع ملكه، لكن كان تسامحه مع الهندوس تحديدا ذَا بعد خاص، ولأسباب أكبر وأعمق، فقد كانت منهم (جودا)!
الأميرة الهندية الهندوسية ابنة (الراجبوت)، تلك الحسناء التي سعى جلال للزواج بها في إطار لم شمل مملكته وبناء التحالفات من خلال المصاهرات، لكن (جودا) لم تكن عادية، كما كان جلال فريدا جديدا في كل شي.
دخلت (جودا) قصر جلال، غير راغبة في الزواج من ذاك الإمبراطور المسلم، بيد أن ذاك الوسيم الساحر، وأناقته وحضوره الباهر، وعقله المنفتح الساهر، تصعب مقاومة حبه والتعلق به، حاولت الأميرة المقاومة وعدم الرضوخ بكل قوة ومعاندة، اشترطت عليه عدم دخولها في دينه، ولم تكن مضطرة للشرط، فجلال يرى كل الديانات حلال!
دخلت (جودا) عالم جلال بصوتها الأسير الذي ملئ القصر والأثير، كانت كفرس جامح غاضب ثائر، لم ترغب بالزواج ممن يخالف دينها وطباعها، وكان جلال يريد الحصول عليها بتكتيك سياسي، أبدا غير عاطفي، وبين الإقبال والأدبار، والهرب و الفرار، وتحت سقف القصر الواحد، وبسحر كل منهما وتميزه، وقعا أخيرا أسيرا حبهما الذي فاق كل الحدود، حينها لم يكن لاختلاف العقائد وجود، وأبرمت كل المواثيق والعهود، ما يخص القلوب منها وما يتعلق بالحدود، ألغيت الجزية على الهندوس، وأقيمت لهم دور العبادة، وولوا في الدولة مناصب تتسم بالريادة.
أنجبت (جودا) لـ (جلال ) ولي عهده ووريث سلطانه، بعد أن سلبت لبه ووجدانه، عشقت (جودا) بجلال تلك العظمة والطلّة و الإجلال، ومع الأيام والسنوات ذاب المحال، وارتبط الاثنان للأبد بأغلظ المواثيق والأحبال، القصر الملكي ككل قصور الكون، يظل المحب والخبيث، البسيط والكبيس، عاشت (جودا) بين حروب ودسائس، وإيغار صدر إمبراطورها ومليكها الحارس، ولكن سلاحها الكبير دائما كان يقبع بين أضلع جلال، يشحذ مع كل دقة من دقاته.
استمر الإمبراطور الوسيم الحكيم في جمع العلوم وأكبر المؤلفات وأشهر الأعمال، ترجم من كل الدنيا كتب العلوم والديانات وكسر القيود والأغلال، فبلغت إمبراطوريته أكبر وأقصى اتساع لها، وأضحت من أعظم دول عصرها قوة وثراء، حتى لفت انتباه صاحبة العلوم والازدهار نظيرته الإنجليزيه إليزابيث الأولى وعصرها الذهبي، فأوفدت إليه سفيرا لأول مرة، وأثمر التعاون عن شركة الهند الشرقية، وكان هذا الجسر الذي ربط بلاده بالعالم الآخر، فمن قبل جلال لفت الأنظار وعبر الأقطار!
قضية (جلال) كانت العلم والعلوم والثقافة والفنون، أراد أن يعوض ما فاته من خلال رعيته، أحب الجميع مثقفين واعين، ومن فرط شوقة لتوحيد صفوف إمبراطوريته، قرب بين جميع دياناتهم ومذاهبهم وأنشا دارا تجمع أفكارهم، بناء للمناظرات وعبادة الله على جميع الطرق والمعتقدات، فجنح بخياله إلى خلق عبادة جديدة توحد الجميع، الإسلام والهندوسية والمسيحية، إنه شطط العلماء والمبدعين، وكانت معه في هذه الأفكار والمعتقدات تدعمه وتسعى لتوحيد الجميع معه، إمبراطورته ومحبوبته (جودا أكبر)
ماتت (جودا) التي طالما أحيت شعائر دينها في قصر (جلال) الذي يوما لم ينهها، وعند مراسم تشييعها، وكعادة شعبها وبناء على معتقداتها، أحرق (جلال) جثمانها! فوقع بين مقدر لتسامحه ووفاءه وبين رافض لإلحاده وارتداده! ولكن (جلال) على فراش موته صرح بأنه الآن يتمنى أن يرى فرحة النبي الكريم بما قام به (جلال) من نشر العلوم والثقافة وإكمال رسالة (محمد صلى الله عليه وسلم) السمحة التي بدأت بإقرأ، ترك (جلال) و(جودا) أروع قصة حب وعشق وتسامح وتعايش، وكتبت في (جلال) وفتوحاته وتأثيراته الثقافية والمعمارية الكتب والمخطوطات والمؤلفات، وما زال طيف (جودا) و(جلال) يغري كتاب السيناريو والقصص ليعيدوا لنا أروع الحكايا والقصص.