قد يستغرب القارئ الكريم من عنوان عمودى هذه المرة متسائلا بل مندهشا: ما علاقة شهر رمضان بالتغيير.. إيه علاقة رمضان بالسياسة.. هو رمضان كمان بقى له فى السياسة؟.. والحقيقة التى ربما تخفى على الكثير منا هى أن (رمضان) قائد حركة التغيير.. ولم لا وهذا الشهر المعظم يزكى النفس ويهذبها ويدفعها إلى محاسن الأخلاق ويحضها على عظيم القيم وفيه تسمو قيمة المراقبة فهو بحق ثورة على غرائز النفس وشهواتها فقد كان الصحابة الأخيار -رضوان الله عليهم- والتابعون الكرام يدعون الله -عز وجل- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه -سبحانه- ستة أشهر أن يتقبل منهم فكانت حياتهم كلها رمضان لما فى هذا الشهر العظيم من أثر جميل فى حياتهم، ففيه الأجر مضاعف وتتنزل فيه الرحمات وتعم السكينة ويعلو الصائم تاج الوقار والخشية «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».
والصيام كما يقول أحد العلماء: تربية للإرادة وتزكية للنفس وتهذيب للضمير وتزكية للأخلاق وهنا يتضح شق التغيير فالصيام -حقا- ثورة على النفس بكل ما تحمله الكلمة من معنى فهو يمثل -بحق- إعادة بناء منظومة القيم فى الإنسان والمجتمع على حد سواء وهو جنة ووقاية للإنسان من الوقوع فى الشهوات والمنكرات «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنى امرؤ صائم».
فمن ذا الذى منع من كان يعكف على التدخين ويدمنه أن يمتنع عنه فى خلوته -مع قوة الدافع والرغبة - إلا لأنه يعلم أن الله يراه، فنحن حقيقة نحتاج إلى مدرسة الصوم لتربية وإصلاح القلوب ففيها سنجد طعم الحياة.
وإذا ما أردنا أن نجمل أثر الصيام فى حياتنا فهو كالآتى:
1- الصيام مظهر من مظاهر وحدة الأمة وتماسكها فلا فرق بين وزير وخفير ورئيس ومرؤوس فالكل فى محراب الصوم سواسية يمسكون عن الطعام فى آن واحد ويفطرون فى لحظة واحدة فأعظم به من ركن أصيل من أركان الإسلام.
2- الصيام يملأ الإنسان بمعانى التقوى والإيمان والخوف من الرحمن والتقرب إليه -سبحانه- لفعل الخيرات.
3- الصيام يقوى البدن وينشطه ويعافيه من الكثير من الأمراض ففى بعض دول الغرب ينصح الأطباء بعض مرضاهم قائلا له: «صم صيام المسلمين».
4- الصيام ليس الامتناع عن الطعام والشراب فحسب وإنما صوم السمع والبصر واللسان والجوارح عن كل ما يؤذى.
5- الصيام يمكن العبد من معرفة نعم الخالق -سبحانه- عليه وآلائه العظيمة كما يجعله يشعر بالفقراء الذين لا يجدون الطعام فيزداد شكرا لربه وإحسانا لهؤلاء الفقراء.
6- الصيام بمثابة الصارم المسلول على الشيطان الرجيم لأنه يضبط النفس ويكبح جماح شهواتها ويجعل الإنسان دائما مراقبا لربه فى كل حركاته وسكناته.
7- الصيام يعمق روح الإخلاص فى العمل والإتقان فيه فالصائم دائما تسمو عنده قيم المراقبة.
8- الصيام يرسخ عند الصائم خلق الصبر وتحمل المشقة.
9- تبرز قيمة التكافل فى هذا الشهر فقد حث الإسلام على التصدق لسد حاجة الفقراء والمساكين.
نسأل الله سبحانه أن يبارك لنا فى رمضان ويتقبل منا صالح الأعمال.