«كفيف» يبيع الممبار: إيدى بتتمد بالعمل مش بالسؤال
«عم أحمد» أثناء تنظيف «الممبار»
رجل كفيف، تغزو التجاعيد ملامح وجهه، لا تحمل فرشته سوى «الممبار» الذى يقوم بتنظيفه ونظمه فوق الطاولة الصغيرة تمهيداً لبيعه، يعرفه سكان المنطقة ويميزونه بالنظافة الشديدة. «بينضّف أحسن من اللى بيشوفوا»، أما هو فيبادرهم بابتسامة مؤكداً: «50 سنة بنضّف ممبار مش هبقى شاطر إزاى؟».
«أحمد»: كل حلمى معاش وحجة لبيت الله
أحمد سلامة، الستينى الذى يفتخر بأصوله السوهاجية، يجد وقتاً كافياً عقب إنهاء عمله لسرد حكايته للوافدين الجدد على السوق، حول زوجته وأطفاله الـ8 الذين جلبهم من الصعيد إلى القاهرة بحثاً عن الرزق، كيف حملته رحلة السعى خلف لقمة العيش لتجربة الكثير من المهن انتهاء بـ«الحلويات» وإكسسوارات البهائم بحسب ما يطلق عليها أهل السوق، مهنة أنفقت عليه وأسرته المكونة من عشرة أفراد، لكن السنوات انسلّت وانصرف معها الأبناء الثمانية لتبدأ الحياة تكشر عن أنيابها للرجل «مافضلش غيرى أنا ومراتى فى شقة إيجار لوحدنا».
لم يكن أحمد كفيفاً طوال حياته، إعاقة حديثة العهد بدأت قبل سبع سنوات بسبب تلك المرة التى طالته فيها إحدى عبوات قنابل الغاز خلال أيام ثورة يناير، مرور بالصدفة أودى بعينه: «فى الأول ماكنتس مصدق نفسى ولا عارف هعيش إزاى، بس ربنا اللى بيصبّر». لم يدخر الرجل جهداً، حيث أجرى العديد من العمليات لكنها لم تشفع له، ليتكيف أخيراً مع وضعه ويتعامل مع الأمر كأن لم يكن: «مفيش حاجة اتغيرت فى حياتى، كملت شغلى عشان مامدّش إيدى لحد».
يذهب الرجل الكهل لإحضار بضاعته بنفسه كل يومين من ميدان لبنان، يحمل على ظهره «الكرشة والممبار ولحمة الراس»، يرفض أن يعتمد على أحد: «عصايتى هى دليلى، وولاد الحلال بيساعدونى»، يفضّل المكسب القليل على الجلوس فى البيت متحملاً مشقة عمله الذى يبدأ فى السابعة صباحاً وينتهى فى الثامنة ليلاً: «ممكن أطلع لى بـ50 جنيه فى اليوم رضا من عند ربنا». يؤمن أحمد أن نعى الحظ لا يقدم ولا يؤخر، وأنه لا يبقى للمرء سوى حلم يسعى له وصل إليه أو لم يصل: «أنا كل حلمى معاش وحجة لبيت الله».