كلام عجيب جاء على لسان ياسر القاضى، وزير الاتصالات، ذكر فيه أن مصر بصدد إنشاء «فيس بوك» مصرى. وتابع: «مصر خطت خطوات إيجابية وفاعلة فى مجال إنشاء وسائل تواصل مجتمعية مصرية خالصة، على غرار دول كثيرة فى العالم». وأضاف: «يجب أن تكون لدينا القدرة على حماية البيانات، وحماية المواطنين لحماية استقرار الدولة».
ليس من الحكمة أو الحنكة أن نتعامل مع كلام الوزير من منظور علمى، لأنه ببساطة يتكلم «سياسة»، إنه يريد أن يقول ببساطة إن وزارته تفكر فى محاصرة المواطنين بـ«فيس بوك» مصرى خالص، يستعيضون به عن موقع التواصل الدولى، وهو لم يُحدّد هل سيتم إغلاق الموقع الدولى أم لا؟ كلام الوزير حول وجود دول تأخذ بهذا النهج صحيح. روسيا على سبيل المثال لديها «فيس بوك روسى»، لكنها لا تحول دون المواطن الروسى وحقه فى الوصول إلى الموقع الدولى، فى حين تُقلد دول أخرى النموذج الروسى مثل الصين، لكنها تمنع مواطنيها من الوصول إلى «الفيس بوك». المسئولون بهذه الدول يفكرون بنفس منطق الوزير «القاضى»، فيعلنون أنهم يفعلون ما يفعلون، من أجل صيانة مواطنيهم وحماية استقرار الدولة، لكن من المفترض أن وزير الاتصالات لدينا يعلم أن هناك مواقع دولية أخرى كثيرة للتواصل الاجتماعى -غير «الفيس بوك»- يمكن للأفراد تبادل المعلومات والأفكار والصور والفيديوهات عبرها بمنتهى السلاسة والسهولة. وقد يكون من المفيد أن يجيبنا على سؤال: هل من ضمن مشروعاته المستقبلية أن ينشئ «تويتر، وسناب شات، وتليجرام، وواتس آب، وإنستجرام»، ويدمغه بوصف «المصرى» حتى يحمى أحباءه المواطنين من المعلومات التى قد تضر بهم؟. من المهم أيضاً أن يجيبنا عن سؤال يتعلق بحقوق الملكية الفكرية وموقفنا من الأخ مارك زوكربيرج، مؤسس وصاحب فكرة إنشاء موقع التواصل «فيس بوك» وغيره من مواقع التواصل.. إلا أن نكون قد انتوينا أن نشترى هذا الموقع وغيره من مواقع التواصل الاجتماعى الأخرى، حتى نحمى خلق الله من شرها المستطير؟!
أمر بعض المسئولين والسياسيين والكتاب لدينا عجيب. إنهم يعبرون فى مواقف عديدة عن انبهارهم ببعض النماذج المغلقة، مثل النموذج الصينى، ويستدلون بما يحكمه من معادلات سياسية وأساليب فى محاصرة حق الجمهور فى المعرفة، ويريدون جلبها إلى الواقع المصرى، مبرّرين ذلك بما تواجهه مصر من تحديات. وحقيقة الأمر أن من يرد الاستعارة عليه ألا يكون انتقائياً، فيأخذ ما يروق له ويترك ما لا يروقه. من يرد مثلاً أن يقتبس من النموذج الصينى عدم تمكين المواطنين من الوصول إلى الموقع الدولى «فيس بوك»، أن يحدّثنا عن معدل دخل المواطن وفرص العمل المتاحة له، ومعدلات النمو، والاحتياطى النقدى، وحجم المديونية، ومستوى التعليم، ومستوى الرعاية الصحية داخل الصين. من اللائق أيضاً أن يتوقف هؤلاء أمام إشكالية ارتكان دولة مثل الصين على «نظام اشتراكى»، فى وقت ينادون فيه بخصخصة وبيع كل شىء، ويرحّبون ببيع أى مرفق، ويتّهمون من يختلف مع هذا التوجّه بأنه يفكر بطريقة قديمة، وأن الاشتراكية ماتت فى العالم!. لوزير الاتصالات أيضاً وهو يحدثنا عن حماية استقرار الدولة بإنشاء «فيس بوك مصرى»، تأسياً ببعض التجارب العالمية، أن يحدّثنا عن استقرار ومستوى خدمة الإنترنت فى مصر، وسعر الخدمة الذى تحصل عليها وزارته من المستخدم قياساً إلى الأسعار العالمية. بلاش نظام «الصينى» بعد «غسيله»!.