هل الفياجرا هى الحل؟
فياجرا- صورة أرشيفية
السؤال الذى يفرض نفسه هو هل الفياجرا وأخواتها مثل السياليس والليفترا استطاعت حل المشكلة الجنسية للرجال؟ الإجابة معقدة وصعبة وصادمة خاصة من أطباء الأمراض النفسية وعلماء الاجتماع، فقرص الفياجرا يعالج ضعف الانتصاب ويحسن الأداء بالفعل ولكنه لم يعالج أو يحسن العلاقة! جملة مؤلمة ولكنها حقيقية أقولها من واقع تخصصى الطبى وأيضاً من واقع همى الاجتماعى، فبالرغم من أن علاج الضعف الجنسى هو حجر زاوية مهم فى بناء العلاقة الجنسية إلا أنه جزء من العلاقة وليس كل العلاقة، فلسوء الحظ أثبتت الأبحاث أن الرجال الذين يصابون بالضعف الجنسى أغلبهم يقلعون عن ممارسة الجنس ويزهدون فيه خوفاً أو قرفاً أو كحيلة هروبية، والمشكلة أنهم عندما يمارسونه كأداء واجب تتفاقم المسألة وتزيد الفجوة وتسود مساحة الصمت والخرس، وعندما يقلع الأزواج عن الممارسة يقلعون بالتالى عن رسائل التواصل ونبضات العواطف ومشاعر الحب والحميمية، ولذلك كثيراً ما تفشل الاستشارات الطبية التليفونية أو الكشوفات التيك أواى التى تكتفى بكتابة الروشتة وقبض الفيزيتة، لأن الطبيب وقتها يتناسى إصلاح العلاقة وترميمها قبل أن يصف قرص الدواء كحل سحرى ووحيد برغم أهميته التى لا أنكرها.
المأساة هى أن الرجل يظن أن هذه الأدوية هى الحل وليست بعض الحل أو بداية الحل، وهى ليست بالتأكيد نهايته، وبالتبعية يظن أن الجنس هو الممارسة واختراق الحدود والحواجز البيولوجية والدخول إليها والخروج منها فقط بدون تأشيرة حب أو حنان، وينسى أو يتناسى أن مفهوم الجنس أوسع بكثير من مجرد هذه المتعة البيولوجية اللحظية التى تنتهى بدفقة سائل أو رعشة عضلات، إنه حياة كاملة وتواصل إنسانى واهتمام وجدانى ولغة فهم وترجمة إحساس، تنشطه كلمات الغزل ولمسات الدفء وأحضان الأمان وطبطبة التعاطف وقبلة الوصال، إن حل الفياجرا الذى يستمر للحظات لا يحل السؤال العويص وماذا بعد؟ كيف سنتواصل ونحن بعيدون عن السرير وغرفة النوم، إنه يكرس ما يسميه الأمريكان QUICK- FIX MENTALity، إنه أداء الواجب الذى يتم بمصريتنا المعهودة حماها الله المرصعة بالفهلوة والسلق والكلفتة، إن الجنس المسلوق الذى تقدمه الفياجرا وأخواتها خالٍ من الطعم والتوابل والمشهيات، وبلغة أبلة نظيرة فى كتاب الطهى فإن الرجل والمرأة يحتاجان معاً إلى الجنس «المسبك» المطبوخ على مهل، الذى يحتفظ بالنَفَس ويخلو من المواد الحافظة.
أداء جنسى أفضل يؤدى بالضرورة إلى علاقة أفضل، هذا هو المفهوم الخاطئ الذى يحكم تفكيرنا جميعاً، فالرجل يعتقد أنه بمجرد تدفق الدم فى عضوه التناسلى ستتدفق العواطف والأحاسيس والمشاعر، فيفقد مع الوقت حسه بأهمية التحاور والتواصل تحت سقف البيت البارد الذى سيؤدى حتماً إلى نجاح اللقاء فوق السرير الساخن، الفياجرا وأخواتها ومنافساتها للأسف تمنح الرجل إحساساً زائفاً بالأمان، ويفهم أنه لا بد محبوب ومطلوب ومرغوب ما دامت الحبة الزرقاء أو البرتقالى أو الكاروهات فى جيبه أو فى درج مكتبه أو حتى مخبأة تحت جوربه، ولأننا قوم تشوه لدينا مفهوم الجنس نتيجة الجهل وانعدام الثقافة الجنسية وانتشار المفاهيم السادية والمشوشة عن علاقة الرجل بالمرأة، فإن الفياجرا للأسف ساهمت فى مزيد من التشوه الجنسى فى عقولنا التى رضعت الأخطاء تلو الأخطاء والتشوهات تلو التشوهات من غرف الدراسة حتى غرف النوم، التى تلخصها عبارة واحدة هى أن الرجل يقلص العلاقة الجنسية ويضيق مفهومها حتى تصبح مجرد القدرة على الفعل الجنسى الذى إذا تم بنجاح فإنه يعتبر أن كل ما تطلبه المرأة من عواطف أخرى وحميمية أكثر هو إزعاج متعمد وغلوشة وغلاسة ودوشة مع سبق الإصرار والترصد.
* جزء من «ملف خاص»، أعدّه الدكتور خالد منتصر بعنوان: الحبة الزرقاء تحتفل بعيد ميلادها العشرين - لمطالعة الملف كاملًا (من هنا).