أكتب مقالى هذا قبل يوم واحد من إعلان النتائج النهائية لانتخابات الرئاسة المصرية، تشير النتائج شبه النهائية إلى أن ٢٥ مليون مصرى صوّتوا فى الانتخابات، منهم ٢٣ مليوناً تقريباً انتخبوا الرئيس السيسى، بينما كانت نسبة الأصوات الباطلة مليوناً وربع المليون صوت تقريباً، فيما حصل المرشح موسى مصطفى موسى على سبعمائة وخمسين ألف صوت تقريباً. أهم ما جاء فى تغطية الانتخابات وتحليل نتائجها كان الملف الذى نشرته «الوطن» فى عدد الجمعة ٣٠ مارس، الذى تحدث عن سبب ارتفاع الأصوات الباطلة، وقال صراحة إن دوائر الدعوة السلفية تسجل أعلى نسبة أصوات باطلة!، تحدث التقرير بالتفصيل عن دائرتى العامرية أول وثان فى الإسكندرية واللتين سجلتا أعلى نسبة مقاطعة بالإسكندرية كدليل على موقف الدعوة السلفية الحقيقى من الانتخابات، فى حين سجلت دائرة الرمل ثان أعلى نسبة إبطال للأصوات، رغم أنها المعقل الأهم لمشايخ الدعوة، وهو نفس ما تكرر فى دائرة حى الزهور فى بورسعيد قائمة الدوائر الأعلى تصويتاً، فضلاً عن التصويت للسيسى، لكن الدائرة نفسها مثلت أعلى نسبة أصوات باطلة بإجمالى ١٣ ألف صوت تقريباً!، وأنطلق من هذه المعلومات المهمة لأقول إننا فى حاجة لتحليل ما حدث وطرح عدد من الأسئلة.
أولاً: ما دلالة ما حدث؟ وما تداعياته فى المستقبل؟
ثانياً: هل يعنى هذا إقدام قيادات الدعوة السلفية على خداع المصريين والتظاهر بتأييد الرئيس السيسى وإصدار الأوامر بالعكس؟ أم يعنى أن القواعد السلفية باتت لا تكترث بما تقوله القيادات وتعبر عن تضامنها مع جماعة الإخوان الإرهابية بشكل واضح وصريح؟
ثالثاً: هل كانت أوامر قادة الدعوة للسلفية للقواعد أن يذهبوا للصناديق ويصوتوا بما يشاءون، فكانت النتيجة على هذا النحو؟ أم كانت الأوامر بالتأييد وتم عصيانها؟
رابعاً: أياً كانت الإجابات عن هذه الأسئلة، فهى تؤكد أنه لا بديل عن أن تكون الفترة الثانية للرئيس بداية لحالة من الإصلاح الثقافى والاجتماعى الشامل، حيث إن هذه المواجهة هى الضمان ألا نجد عدد أصوات السلفيين الباطلة، وقد تضاعفت فى الانتخابات المقبلة، والحل هو خطة لمواجهة الأفكار المتطرفة التى تعشش فى زوايا المجتمع، ولمقاومة حالة الفراغ السياسى التى تتيح الفرصة لمثل هذه الأفكار وغيرها بالتمدد.
خامساً: إننى من المؤمنين بأن الرئيس السيسى يجب أن يعلن أن فترة ولايته الثانية هى فترة الإصلاح بعد كانت فترة الولاية الأولى هى فترة تثبيت الدولة وإطلاق المشروعات العملاقة والإجراءات الاقتصادية القاسية.
سادساً: يجب أن يمتد الإصلاح لكافة الملفات التى تمس الإنسان المصرى من التعليم (تم البدء فى خطة إصلاحه)، للصحة (تم تحقيق إنجاز ضخم فى ملف فيروس سى)، وكذلك ملف الثقافة والقوة الناعمة المصرية، وما سبق أن تحدثت عنه باسم الإصلاح الاجتماعى أو إصلاح منظومة القيم المصرية، ولعل أهم ما يميز هذه الملفات أنها قابلة للحوار وللأخذ والرد فيها، بحيث تصبح الخطوات التى يتم اتخاذها فيها مادة للأخذ والرد والحوار فى المجتمع المصرى، حيث هناك حاجة ماسة لأن يصبح الناس طرفاً فى حوار وطنى، وعلى عكس كثيرين، فإننى أرى أنه كان ثمة حالة حشد وقيادة للمواطنين قام بها أعضاء مجلس النواب والقيادات السياسية والمحلية التقليدية وليس الدولة بأجهزتها المختلفة، وقد نجحت حالة الحشد بدرجة تجعل التفكير فى تأسيس حزب سياسى مؤيد للرئيس أمراً مُلحاً بشرط أن يتم التفكير فى تربية كوادره بنفس العقلية التى دفعت للاتفاق مع الأكاديمية الإدارية العليا فى فرنسا، وليس بعقلية الحزب الوطنى القديم.
والله من وراء القصد.