«الألبينو» يطالبون بالاختلاط بالمجتمع والظهور فى الإعلام: «مالقوش فينا عيب.. قالوا أبيض الخدين»
«على» يمارس حياته بشكل طبيعى ولا يشعر بالاختلاف
تبدأ الحكاية بغرفة عمليات تشهد ولادة طفل بملامح شقراء ومواصفات غير مألوفة، المشهد الذى إما أن يتسبب فى صدمة وحزن للأهل أو ابتسامة ورضا، وفى كلتا الحالتين تبقى الحيرة هى سيد الموقف.. ما هذا؟ ولماذا؟ وما المقبل؟
بمشاعر مضطربة استقبلت أسماء على، 28 عاماً، ولادة طفلها الثانى «إياد»، حيث غلب عليها الحزن فى البداية: «زعلت لأنى مش عارفة هيبقى طبيعى ولا لأ، لدرجة إنى كنت خايفة ما أحبوش، وأول ما تعافيت رُحت لدكتور أطفال وطمنى إنه طبيعى جداً، ومشاكله هتنحصر فى ضعف النظر وضرورة الابتعاد عن حرارة الشمس».
مشكلاتهم تنحصر فى «ضعف النظر» وضرورة الابتعاد عن «حرارة الشمس».. وزواج الأقارب السبب الرئيسى
كلمات الطبيب ضخت طاقة أمل داخل الأم، وعلى الفور تصفحت مواقع الإنترنت، وقرأت عن الألبينو، وعلمت أنه ليس مرضاً، كما يظن البعض، وأن سببه فى حالتها زواج الأقارب، وبمرور الأيام كبر «إياد»، الذى تجاوز الآن الثلاث سنوات من عمره، وتعلق قلبها به بدرجة كبيرة، ربما تفوق مشاعرها تجاه أخيه الأكبر، كما لاحظت تفوقه وذكاءه عن من هم فى نفس عمره، ظروف أسرية خاصة نشأ فيها «إياد»، وتخشى «أسماء» أن تؤثر عليه مستقبلاً: «أنا منفصلة عن أبوه من بعد ولادته بأسبوع، حصلت مشكلة بينا لا تتعلق بكونه ألبينو، لكن ده مايمنعش إنه كان مستغربه وقالى: إيه ده؟! ومن بعدها لا شافه ولا بيسأل علينا ولا حتى بيدفع نفقة، لدرجة إن كلمة بابا عند إياد مقصود بيها جده، بيسمعنا بنقوله بابا ويقلدنا ومايعرفش أب غيره»، مواهب عديدة يتمتع بها «إياد»، وفقاً لـ«أسماء»: «بيحب يألف قصص، بيجمع اللعب حواليه ويقعد يحكى قصة ويألف أحداث وتفاصيل كأن شخص تانى قاعد قدامه، كمان بيحب يغنى»، وهنا استوقفها «إياد» وبصوت مرتفع ردد: «ماما زمانها جاية، جاية بعد شوية جايبة لعب وحاجات»، ولم تقتصر ملكات «إياد» على ذلك، فهو مشروع عارض لأزياء الأطفال: «بحس إنه نفسه يبقى موديل، وحاسة إن شكله وشخصيته هيساعدوه، وبسعى لتحقيق ده عشان لما يكبر تزيد ثقته بنفسه ويحس إنه عمل حاجة كويسة وأخد حقه»، بصدر رحب كثيراً ما تستقبل «أسماء» تعجب واندهاش البعض من طبيعة «إياد»، فإذا سألها طفل عن سبب لون بشرة وشعر طفلها ترد: «أول ما اتولد رشينا عليه سكر ودقيق»، الأمر الذى لم تكن تقوى عليه فى بداية معرفتها بطبيعة ابنها، فرغم مرور أكثر من 3 سنوات على ولادته، تتذكر كيف حزنت حين سمعت خالها وهو يداعبها ويصفها بـ«المرأة التى ولدت جدها». انضمام «أسماء» إلى «جروب» الألبينو أفادها كثيراً وطمأنها على مستقبل ابنها إلى حد كبير: «لقيت ناس ناجحة ومرحة ومتأثروش بنظرات البعض، وبقيت أسألهم عايشين إزاى؟ دخلتوا جامعات؟ حد بيضايقكم؟ وكانت الإجابات مطمئنة، باستثناء البعض اشتكى من صعوبة الحصول على فرصة عمل، وبيطالب بشهادة الـ5% أسوة بالمعاقين».
ترفض «أسماء» إدراج الألبينو ضمن فئة المعاقين، كما ينادى البعض: «مفيش حاجة فيهم تقول إنهم معاقين، بل بالعكس نسب ذكائهم أعلى من الآخرين.
والدة «إياد»: «لما بيسألونى لونه كده ليه؟.. بابتسم وأرد: أول ما اتولد رشينا عليه سكر ودقيق».. و«على» مهندس برمجة: «عرفت إنى مختلف بعد أول ماتش كورة فى الشارع.. وكنت بتخانق مع اللى يقولى يا أبوشعر أبيض»
«مش مهم شكلك.. مش مهم كلام الناس.. المهم انت شايف نفسك إيه، وتقدر تكون ناجح ومثل لكل اللى قدراتهم الظاهرية قد تبدو أعلى منك»، كلمات حماسية قالها على شاهين، مهندس برمجيات، الذى لا يعبأ لكونه ألبينو، ويرى أن انطواء البعض ورفضهم تقبل طبيعتهم المختلفة شكلياً عن الآخرين، يرجع إلى العامل النفسى وليس لعجزهم عن أداء الوظائف الحيوية، يحكى «على» عن نشأته فى منطقة شعبية «الشرابية»، ومتى شعر أنه مختلف عن الآخرين: «فى مرحلة ابتدائى لما كنت بألعب مع صحابى كورة وقت الضهر كانت الشمس بتتعبنى جداً، وقتها أهلى قالوا لى إن الشمس هتتعبنى، وإنى مختلف عن صحابى، كان الموضوع مضايقنى فى الأول بس عشان أنا كنت شخصية قيادية شوية كنت بخلى صحابى يلعبوا معايا فى الضل»، كبر «على» ولم تقتصر مشاكله على لعب كرة القدم، فقد كان يتعرض لمضايقات، سواء فى مدرسته الحكومية أو من بعض أهالى منطقته: «كنت رايح جاى باخد تريقة، اللى يقولى يا أبوشعر أبيض، واللى يقولى يا جدو، خاصةً إن كل اللى كانوا حواليا مشردين، باستثناء صحابى القريبين، وقتها كنت أقف وأتخانق، لحد ما أهلى أقنعونى ما أردش على حد، وإنهم بيقولوا كده عشان أنا أحسن منهم»، حياة جامعية مميزة عاشها «على»، فلم يعان مطلقاً خلال سنوات دراسته فى كلية حاسبات ومعلومات جامعة حلوان: «كانت حياة لطيفة، وكنت محبوب جداً، أول سنة اتصدمت إن السبورة بعيدة، وإنى مش شايف حاجة، وبعدين لقيت الحل، اتعرفت على صحاب، وبقيت باخد منهم حاجات، وبديلهم برضه حاجات»، بعد تخرجه بخمسة أشهر تقدم المهندس الشاب إلى إحدى شركات البرمجة لشغل وظيفة، الأمر الذى لم يجد فيه صعوبة، حيث أجرى مقابلة شخصية، وتم قبوله دون الالتفات لكونه ألبينو، ولم يخش تحذيرات البعض من التأثير السلبى لشاشات الكمبيوتر على نظره، وبالفعل لم يتأثر بها رغم مرور 7 سنوات على التحاقه بالعمل، لم يقرأ «على» عن الألبينو مطلقاً، لأنه لا يرى أنه يحمل هذا اللقب: «أنا مقتنع إنى مش ألبينو، وشايف نفسى شخص غير مصنف، يمكن عشان شكلى حلو شوية»، كما أنه لا يرى ضرورة فى الزواج من فتاة ألبينو، ولا يمانع فى نفس الوقت من ذلك، خاصةً أن شقيقته الأكبر لها نفس ظروفه، ولم تعان يوماً من كونها ألبينو، على عكس النظرة المتفائلة التى يحملها «على»، يرى محمد حسين أن هناك مطالب عديدة للألبينو يجب أن يلتفت إليها المسئولون: «لازم الدولة توعى الناس إن الألبينو مش مريض، وممكن يكون دكتور أو مهندس، ويقدر يشتغل ويبدع فى أى مجال، كمان لازم المدرس يعرف يتعامل مع الطالب الألبينو، ويوفر وسائل تعليمية مناسبة، مثل الأجهزة المرئية التى تساعدة على المذاكرة وسرعة التركيز، والكتابة بحجم كبير سواء فى الكتب الدراسية أو ورق الامتحانات، بخلاف الجلوس فى المقدمة ليرى السبورة بوضوح، ويكون بعيداً عن الشباك لأنه مصدر للضوء وحرارة الشمس». من ضمن ألقاب الألبينو الجمال النادر، وكثيراً ما كانت سلوى عادل، الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية التربية جامعة أسيوط، تسمع كلمات إطراء من أصدقائها بسبب شكلها: «بيقولولى انتى جميلة بزيادة، لدرجة ممكن واحدة تقولى متقفيش جنبى انتى جميلة وانا هختفى جنبك، ومرة دكتور فى الجامعة افتكرنى أجنبية وسألنى انتى هنا معانا؟».
لم تلتفت «سلوى» لكونها ألبينو طوال سنوات طفولتها ومراهقتها، ولم تسأل حتى نفسها لماذا تختلف بشرتها عن أشقائها، فقط كانت ترجع ذلك لزواج الأقارب، الشىء الوحيد الذى كان يؤرقها هو ضعف البصر، خاصة فى مرحلة الطفولة، حيث إن الألبينو يولد بضعف شديد فى البصر، ويتحسن كلما كبر حتى يستقر بعض الشىء.
شعور بعض الألبينو بعدم الثقة يرجع إلى تعامل الآخرين معهم، وأرجعت تفوقها الدراسى واختلاطها بالآخرين إلى: «عندى مواهب كتير، ورغم ضعف بصرى أتفوق على زملائى فى أمور عديدة، ولم يشعرنى أحد باختلافى يوماً ما». موقف وحيد تعرضت له وأغضبها: «كنت قاعدة مع واحدة صاحبتى لقيت بنت جاية بتقولى انتى جميلة جداً، بس شكلك بيخوف.. اللى ضايقنى مش شكلى إنما اقتحامها لى وتطفلها»، تنوى «سلوى» العمل مدرسة بعد التخرج، لكنها ترفض الابتعاد عن أسيوط، كما ترفض لقب معاق، حتى وإن كان الهدف اقتناص حقوق الألبينو: «مش عشان آخد حقى لازم أبقى معاقة، ده لو طفل ألبينو صغير سمع الناس بتقول عليه معاق هيتعقد». «عاوز أقابل أحمد الفيشاوى وأمثل فى فيلم ألبينو»، رغبة ملحة لدى أحمد أسعد، مؤسس صفحة «ألبينو مصر»، لأسباب عديدة، فبخلاف حبه للفن والتمثيل، فهو يرى أن مشاركة الألبينو فى الأعمال الفنية، ضرورة لدمجهم فى المجتمع.
ليس شرطاً أن يجسد الممثل الألبينو دور ألبينو، إنما يلعب أى دور، وفقاً لـ«أحمد»: «هتساعدهم يخرجوا للعالم». يحكى «أحمد» عن أسباب تأسيس «ألبينو مصر»: «يعانى الألبينو من التهميش، وأنا شخصياً كنت سبباً فى تهميش نفسى، عشان كده قررت أجمع أكبر عدد من الألبينو، ونأسس كيان ونطالب بحقوقنا المهدرة».
يتذكر «أحمد» موقفاً أليماً تعرض له: «لما التحقت بجامعة الأزهر صنفونى إنى كفيف، التحقت بكلية لغة عربية جرجا بسوهاج، وطبقاً للتنسيق يقتصر قبول المكفوفين على كليات معينة، من بينها التربية فحولت لكلية التربية بمدينة نصر، وقبل امتحانات التيرم الأول بـ3 أيام قالوا لى ارجع كليتك السابقة وضاعت السنة عليا».
حقوق عديدة مهدرة للألبينو كانت سبباً فى تقديم «أحمد» طلباً لوزارة التضامن الاجتماعى بإدراج فئة الألبينو ضمن الأشخاص ذوى الإعاقة، واستحقاقهم لمعاش الضمان الاجتماعى والبرامج الأخرى أسوة بدول عربية وأجنبية.