اعتاد من الحين للآخر، أن أذهب إلى مقهي" الرايز" لصاحبه عم على، وتحديدا خلف نادى المعلمين، فالمقاهى أو "القهاوى" كما يطلق عليها بالعامية المصرية هى أماكن شرب القهوة، فهى أماكن تستوعب عدد كبير من الناس من كل حدب وصوب، من كافة الطبقات المثقف والرجل البسيط، الغنى والفقير، ومختلف الأعمار الشباب والمسنين، لتبادل الأحاديث واحتساء كوب من الشاى أو القهوة وتدخين الشيشة ولعب الطاولة والدومينو.
يجلسون ويتسامرون كلا منهم فى حديث مختلف، فمنهم من يتحدث فى أعمال خاصة كالتجارة، ومنهم من يخوض فى حديث السياسية والوضع القائم والأحوال المعيشية وكيفية مواجهتها، ومنهم طلاب يتدارسون بحث أو تكليف ما، ومنهم من يجلس ليشاهد مباراة، وخاصة المباريات التى يكون أحد أطرافها المنتخب المصرى فترى حب الوطن يملئ عيونهم وقلوبهم ويشجعون بفرحة وهذا هو شكل المصرى فى أبسط تعبير عن حبهم وانتمائهم لوطنهم فى إطار منافسة لكرة القدم فتراه يشجع بقوة وحنين ويحزن حزنا شديدا عندما يخسر المنتخب فى أحد المرات.
وأكثر ما يسعدنى أن أجلس وسط هؤلاء وهؤلاء لأسمع وأغذى فكرى وعقلى بموضوعات مختلفة يكاد يكون فى كل المجالات، لأنها تعتبر معرفة أساسها الواقع ونبض الشارع، معرفة واقعية مختلطة بالفرح أحيانا والحزن والضيق أحيانا أخرى. وخصوصا أن هذا المكان يعتبر مكان تجمع النخبة من الساسة والصحفيين، أمثال النائب السابق خالد حفنى، الأديب والمفكر إبراهيم على عبده، والدكتور على أحمد على وبعض النشطاء السياسين مصطفى العطار، حسام غيتة، والإعلامى محمد خلف، والسينارست مصطفى بدوى ومن شباب الصحفيين أحمد فتحى، ومحمد الحسينى.
وفى تاريخنا العديد من الصالونات الثقافية التى كانت بدايتها ومقرها المقاهى، فللمقاهى دور كبير فى إثراء الحياة الثقافية فى مصر، فسرعان ما نتذكر الفيشاوى، وزهرة البستان، وجروبى وغيرها. فلم تكن المقاهى مكان لتناول القهوة أو شرب الشيشة ولكنها كانت مقرا لكثير من المفكرين والنشطاء السياسيين والمجددين، فكان كثير من السياسيين يفضلون ارتياد المقاهى لتوصيل آرائهم وأعمالهم، ومنهم الشيخ محمد عبده، وعبد الله النديم، وسعد زغلول وأحمد شوقى، ونجيب محفوظ وغيرهم.
ومن المفيد أن تعود للمقاهى ريادتها فى إثراء الحديث والنقاش فى الأمور الثقافية، بإجراء صالونات ثقافية أو تبادل الحديث بصحبة أحد المثقفين أو النخبة من كبار الصحفيين أو الشعراء، وينقلوا رؤيتهم وأهدافهم إلى الحضور، وبهذا نرى نوع فيه عودة لما كانت تقوم به المقاهى على مدار تاريخنا فى هذا الإطار كما كانت مركزا للندوات الثقافية وتبادل الثقافات مثل ندوات نجيب محفوظ والحرافيش، أتركك الآن أخى القارئ العزيز لأحتسى كوبا من الشاى الساخن فى جو يغلب عليه بعض البرودة.