أحمد الطاهرى يكتب: سوريا.. الكارثة الكاملة والجريمة المكتملة
المدمرة الأمريكية دونالد كوك تتحرك فى البحر المتوسط من قبرص
يدخل الشرق الأوسط فصلاً جديداً لعله الأخطر فى تاريخه الحديث، فصلاً يمس التاريخ والجغرافيا وتوازنات القوة العالمية والإقليمية، بوادر تشير إلى احتدام حدة الصراع فى سوريا، وتكتب هذه السطور بينما تذهب عناوين الأخبار إلى أن الحرب الكبرى مسألة وقت، وأن المنطقة تستعد لمسرح عمليات عسكرى بالغ القسوة وغير محدد المدى، ولا أحد بعيداً عن مرمى النيران.
قبل ساعات وفيما تتبادل واشنطن وموسكو استعراض العضلات من ساحة مجلس الأمن فى نيويورك إلى العالم الافتراضى على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر».. حمل كل خبر موقع ومستقبل كل أطراف الصراع فى مسرح العمليات المرتقب، ومن عناوين الأخبار سنبحث مصير الصراع.
جاء الخبر الأول يفيد بأن الرئيس السورى بشار الأسد يُخلى المطارات العسكرية تحسباً لأى هجوم أمريكى.. واقعياً تمثل هذه المرحلة النقطة الأكثر شراسة فى مصير نظام البعث السورى وبقاء سوريا الموحدة، يواجه «الأسد» الحرب المنتظرة بينما أصبحت سوريا دولة منهكة تفيد التقديرات بأن عدد الضحايا بلغ نصف مليون قتيل، منذ انفجار الوضع الداخلى السورى، وبات فى الشتات أكثر من خمسة ملايين لاجئ سورى، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
يواجه «الأسد» تلك اللحظات الحاسمة بعد فترة لم تطُل من استعادة الجيش السورى لتقدمه وسيطرته على العديد من بقاع النزاع المسلح.
يواجه «الأسد» الحرب المنتظرة بينما أصبحت سوريا دولة منهكة وصل فيها عدد الضحايا لنصف مليون قتيل وبات فى الشتات أكثر من 5 ملايين لاجئ آخرين
المعارك فى سوريا تدور بين كيانات أربعة هى: الجيش الوطنى السورى، وتنظيم الجيش السورى الحر المسلح، وتنظيم داعش الإرهابى، وما يسمى وحدات حماية الشعب.
وخلال الفترة القليلة الماضية كان الجيش السورى قد حقق تقدماً ملحوظاً واستعاد الكثير من الأراضى التى كانت تخضع للجماعات والتنظيمات المسلحة، وبالتوازى مع ذلك بدأت ومضات للحياة الطبيعية تسرى فى سوريا، وهو ما انعكس على أول ارتفاع يطرأ على العملة الرسمية السورية منذ سنوات، حتى وإن كان ارتفاعاً طفيفاً، نجح الجيش السورى فى استعادة الغوطة الشرقية، وقبلها حلب، وكذلك مدينة دير الزور التى تعد أحد أهم مراكز إنتاج النفط.
وسيطر الجيش السورى على الجزء الأكبر من الحدود مع الأردن، وجميع نقاط التفتيش والمواقع الحدودية فى السويداء، وهى واحدة من أربع محافظات تقع على الحدود مع الأردن، بينما لا يزال خارجاً عن سيطرتها معظم منطقة الحدود بين سوريا وإسرائيل فى جنوب غرب البلاد، رغم أن الجيش الوطنى استعاد مواقع كان قد تخلّى عنها فى السنوات الأولى من الصراع، عندما استولت التنظيمات المسلحة على أجزاء واسعة من جنوب غرب سوريا، وتشير التقديرات الاستراتيجية إلى أن الجيش السورى كان قد أتمّ السيطرة على 60% من الأراضى السورية، فيما تسيطر قوات «قسد» على 20%، فيما تسيطر الفصائل المسلحة على 10%، وتنظيم «داعش» يسيطر على 5% ومتركزة شرق حماة، والبادية السوريّة من الجهة الجنوبية، وباقى مساحات سوريا توصف بأنها مساحات عائمة وغير ثابتة.
موقع «حزب الله» فى الصراع يعد أهم عناصر المعادلة لأن ظهوره العسكرى الأخير كان فى 2006 وعلى مدار أكثر من عقد تطوّر عسكرياً وشهد تسليحاً مختلفاً.. وسيسعى «حزب الله» لإثبات مصداقية «المقاومة».. ورداً على ذلك ستشن إسرائيل هجوماً من شأنه أن يعرّض المدنيين فى جنوب لبنان للخطر
أما شمال سوريا، فهى ساحة للعربدة التركية وفى المنطقة الشرقية، وبفضل الدعم الجوى من قوات التحالف الدولى، استطاع تنظيم «قوات سوريا الديمقراطية» من السيطرة على مدينة الرقة، التى كانت تعد أكبر وأبرز معاقل تنظيم داعش فى سوريا.
المنطقة الشرقية تتميز بخصوصية لأنها منطقة «الحقول النفطية»، ما تسبب فى مواجهة بين قوات التحالف الدولى والجيش السورى فبراير الماضى.
الخبر الثانى يخص طرفاً آخر فى الصراع وهو حزب الله، ويقول الخبر: إن عشرات العناصر من كتيبة الرضوان التابعة لميليشيا حزب الله اللبنانى وصلوا الثلاثاء الماضى برفقة عائلاتهم إلى مدينة يبرود بالقلمون الغربى بريف دمشق. ونقلت شبكة «سكاى نيوز» الإخبارية عن ناشطين فى سوريا، أن عناصر «حزب الله» كانوا قد قدموا من ريف حمص بعد إخلاء النظام السورى لمطار «التيفور العسكرى» بشكل شبه كامل، تحسباً لضربة عسكرية أمريكية محتملة. وكان مسلحو «كتيبة الراضون» يوجدون فى مواقع عسكرية لميليشيات حزب الله بمحيط المطار وقرب مدينة القصير بريف حمص.
موقع حزب الله فى الصراع يعد أحد أهم عناصر المعادلة، وذلك لأن الظهور العسكرى الأخير لحزب الله كان فى عام 2006، وعلى مدار أكثر من عقد تطور عسكرياً وشهد تسليحاً مختلفاً، فضلاً عن امتداد شبكاته بما يتجاوز حدود لبنان، وهو ما يجعله فى بؤرة التركيز لاتساع رقعة الاشتباك بفتح جبهة تجاه إسرائيل، وأيضاً تأجيج الوضع فى اليمن، بمعنى أدق فتح جبهات إقليمية مشتعلة تؤثر على مسار الصراع فى سوريا.
ومنذ حرب 2006 وإلى الآن تعد ترسانة أسلحة حزب الله تكهنات غير معلومة، ولكن أحدث الأرقام التى صدرت من الولايات المتحدة وذكرها تحديداً اللورد «ريتشارد دانات»، وهو رئيس سابق لأركان الجيش البريطانى وعضو مجلس اللوردات، وذلك فى معرض حديثه داخل حلقة نقاشية بواشنطن فى شهر أكتوبر الماضى، كشفت أن «حزب الله» حقق تطورات مهمة فى مفاهيمه وقدراته الاستراتيجية.
ففيما يتعلق بالقدرات القتالية البرية، تَطوّر «حزب الله» إلى ما هو أبعد من فئة المقاتلين أو العصابات، هو الآن أقرب إلى قوة عسكرية موحّدة، مع هيكلية وتسلسل واضح للقيادة، وازداد عدد عناصره بشكل هائل، وأصبح يبلغ نحو 25 ألف مقاتل ناشط، و20 ألف مقاتل احتياطى. وقد خضع نحو 5 آلاف جندى ناشط لتدريب متقدم فى إيران.
وفى الوقت نفسه، توسّعت ترسانة «حزب الله» إلى أكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة، والآلاف منها بعيدة المدى، وقد تصل إلى مسافة 250 كيلومتراً. وفى هذا الإطار، يتم تجهيز القوات البرية الآن ببندقيات كلاشينكوف من طراز «AK - 47»، ونظارات للرؤية الليلية، وأسلحة متقدّمة مضادة للدبابات، ومهارات أعلى فى المتفجرات. كما أدرج «حزب الله» فى الآونة الأخيرة وحدة دعم جديدة للدروع مع دبابات حديثة. كما أنه يملك مئات الطائرات بدون طيار، وأنظمة متقدمة للدفاع الجوى، ومنظومات صواريخ جوالة «بر - بحر»، وقدرات استخبارية كبيرة. وإلى جانب الخبرة القتالية التى اكتسبتها ميليشيات «حزب الله» فى سوريا، فإن هذه التطورات سوف تسمح للحزب بتنفيذ عمليات على مستوى السريات أو الكتائب.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال «حزب الله» الجزء الأهم فى استراتيجية حرب إيران بالوكالة. وبالتالى، إذا اندلع صراع، فمن المرجّح أن تدفع طهران وكلاءها الآخرين فى جميع أنحاء المنطقة إلى الدفاع عن الحزب.
المعارك فى سوريا تدور بين الجيش الوطنى السورى وتنظيم الجيش السورى الحر المسلح وتنظيم داعش الإرهابى وما يسمى بوحدات حماية الشعب
وفى هذا الصدد، وبحسب حديث اللورد ريتشارد دانت، يتألّف المفهوم الاستراتيجى الأساسى لـ«حزب الله» من ثلاثة أجزاء ذات صلة هى: النشاط القتالى، والنشاط العسكرى التقليدى، والنشاط السياسى. ومن بين أمور أخرى، يشير هذا التفاعل إلى أن «حزب الله» يقود عمليات من دون أى اعتبار لقوانين الحرب على الرغم من أنه أصبح يشبه القوات العسكرية التقليدية. فعلى سبيل المثال، لم يُظهر أى ندم على استخدامه المدنيين كغطاء لعناصره، متعمّداً تحويل المدنيين غير المقاتلين إلى أهداف. ومع مرور الوقت، حوّل «حزب الله» معظم القرى الشيعية فى جنوب لبنان إلى أصول عسكرية توفر البنية التحتية، والتجنيد، والتخزين، وتتيح له الوصول إلى أنفاق تحت الأرض مصمّمة للحرب.
وبحسب ما ذكره «دانات» فإنه خلال الحرب القادمة، سيسعى «حزب الله» لإثبات مصداقية «المقاومة» أمام العالم العربى. ورداً على ذلك، ستشن إسرائيل بالتأكيد هجوماً مضاداً هائلاً من شأنه أن يعرّض السكان المدنيين فى جنوب لبنان للخطر الشديد.
أما إسرائيل التى تسعى قدماً نحو صراع تكسير العظام الإقليمى للتخلص من حزب الله وإيران ونظام «الأسد» فى معركة واحدة.. فدخلت فى أتون الحرب مبكراً، ففى الساعات الأولى من يوم 9 أبريل، جاء خبر تنفيذ غارة جوية على «مطار التياس العسكرى» (قاعدة «التياس» الجوية)، (T - 4)، فى محافظة حمص غربى سوريا. وفى البداية، اعتقد البعض أن الضربة الجوية قد تكون رداً أمريكياً على إقدام نظام «الأسد» على استخدام أسلحة كيميائية، وهى الجريمة التى لحقت بنظام «الأسد» دون تحقيق دولى، لكن واشنطن نفت ضلوعها، وقالت وزارة الدفاع الروسية: إن الهجوم نفذته طائرتان إسرائيليتان من طراز «F - 15». ووفقاً لموسكو، أطلقت الطائرات ثمانية صواريخ موجهة من الأجواء اللبنانية، تم اعتراض خمسة منها من قِبل الدفاعات الجوية السورية، فى حين أصابت الثلاثة الأخرى أهدافاً داخل القاعدة. وقد أُعلن عن مقتل 14 شخصاً، من بينهم ما لا يقل عن سبعة إيرانيين.
من المتوقع أن يقوم «الحرس الثورى» بمحاولة لحفظ ماء الوجه باختراق المجال الجوى الإسرائيلى بطائرة بدون طيار خلال الأيام المقبلة.. وتدخل إسرائيل الصراع لرسم أدبيات جديدة للمنطقة فهذه هى المرة الأولى التى تتسق فيها أهدافها ضد كيانات إقليمية وميدان معركة عربى بمباركة دول عربية.. و«الدوحة» أبلغت «واشنطن» ندمها على غلق مكتب لإسرائيل.. وتوفير مرافق قاعدة للأسطول الخامس
وبحسب تقدير موقف نشره معهد واشنطن للأبحاث عكس فى طياته معلومات عن طرف آخر أصيل فى الصراع ووجوده الميدانى فى سوريا وهو إيران، وبمعنى أدق الحرس الثورى الإيرانى، تضمّ قاعدة «التياس» أيضاً، بالإضافة إلى الطائرات السورية والروسية، مركبة جوية بدون طيار (طائرة بدون طيار) تابعة لـ«الحرس الثورى الإيرانى» وفى الواقع، من بين الضحايا الإيرانيين المؤكدين العقيد مهدى دهقان يزدلى، أحد قادة قاعدة الشهيد عبدالكريمى للمركبات الجوية بدون طيار غير المشهورة، ولكن الناشطة والمحمية بشكل كبير والتابعة لـ«وحدة الدفاع الجوى» لـ«الحرس الثورى»، وهى تتشارك مدرجاً يبلغ طوله 3 آلاف متر مع «مطار كاشان» الواقع على بُعد 190 كيلومتراً جنوبى طهران. كما حدّد المسئولون الإيرانيون الضحايا الآخرين وهم: أكبر زوار جنتى (من وحدة يزدلى)، وعمار موسوى (من وحدة غير معروفة ضمن «الحرس الثورى»)، ومرتضى بصيرى بور (ملازم أول فى قاعدة لـ«الحرس الثورى» فى محافظة خراسان الجنوبية)، وحامد رضائى (من وحدة غير معروفة ضمن «الحرس الثورى»)، وحجة الله نوتشمى (من وحدة غير معروفة ضمن «الحرس الثورى»)، ومهدى لطفى نياسر القيادى (من «الباسيج» فى قم).
وتُستخدم وحدة الطائرات بدون طيار الأصلية التى نشرت وحدة (جوية) فى قاعدة «التياس» (T - 4) لأغراض عملياتية (المراقبة والهجمات) وكذلك للبحث والتطوير. وتُظهر صور حديثة من الأقمار الصناعية لقاعدة الوحدة الأساسية فى إيران أمثلة على عدة طائرات بدون طيار، بما فيها «شاهد 129» (التى يبلغ طول جناحها خمسة عشر متراً)، و«مهاجر» (خمسة أمتار)، و«صاعقة» (نحو ثمانية أمتار) التى تبدو أنها نسخة أصغر حجماً من طراز «آر كيو - 170» الأمريكى التى استولى عليها «الحرس الثورى» فى عام 2011. ويمكن الآن نشر جميع هذه النماذج فى قاعدة «التياس».
وقد عُرضت طائرات «صاعقة» على التليفزيون الإيرانى محمّلة بقنابل موجهة. وفى 6 فبراير، كشف «الحرس الثورى» الإيرانى عن أحدث قنبلة موجهة يملكها بقُطر صغير، وهى «قائم»، التى تردد أنه يمكنها أن تحمل رزم توجيه تليفزيونية للرحلات أثناء النهار أو التصوير بالأشعة تحت الحمراء للمهام الليلية. ورغم أن عدسات الطائرات بدون طيار يمكنها أن تتركز على أهداف على بُعد عشرة كيلومترات، يُعتقد أن المدى الأقصى لقنابلها يناهز خمسة كيلومترات. وقد أظهرت وسائل الإعلام الإيرانية نسخاً من الصواريخ بدون طيار، ولكن ليس هناك ما يشير إلى أنها شهدت استخداماً عملياتياً.
وكان «الحرس الثورى الإيرانى» يسيّر وحدة جوية تتألف من طائرات «شاهد 129» و«مهاجر» وغيرها من الطائرات بدون طيار فوق سوريا منذ بعض الوقت. تجدر الملاحظة إلى أن المدى الأقصى للطائرات الإيرانية بدون طيار يتراوح بين 1000 و1500 كيلومتر، لذا يوفر إطلاقها من قاعدة «التياس» (T - 4) مزايا واضحة من حيث المدى، خاصة بالنسبة للمهام التى تتطلب وقتاً طويلاً وتستهدف إسرائيل. وفى 10 فبراير، حلّقت إحدى أحدث الطائرات الإيرانية بدون طيار - سواء من طراز «صاعقة» أو «سيمرغ» الأكبر حجماً - على بُعد عدة كيلومترات داخل المجال الجوى الإسرائيلى قبل أن تُسقطها مروحية قامت بمطاردتها. ورداً على ذلك، هاجمت الطائرات الإسرائيلية على الفور قاعدة «التياس» (T - 4)، مستهدفة شاحنة التحكم فى الطائرات بدون طيار بحسب تقديرات معهد واشنطن.
إعادة رسم الخريطة العالمية للثروة والطاقة جعل مصر فى قلب الصراع العالمى الراهن
وخلال الأيام القليلة الماضية، نشطت الطائرات الإيرانية بدون طيار بشكل خاص فى محافظة حمص، الأمر الذى قد يكون السبب وراء القصف الجوى فى 9 أبريل. ولا شك أن إسرائيل تشعر بالقلق من أن قاعدة «التياس» (T - 4) لا تبعد سوى 220 كيلومتراً عن مرتفعات الجولان، ما يجعل من الأسهل بكثير على الطائرات الإيرانية بدون طيار الاستمرار فى مراقبة هذه الحدود وما يتخطاها على مدار الساعة.
أما بالنسبة لردّ طهران المحتمل، فقد سارعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى إدانة الضربة، لكن أياً من الوزارة أو «الحرس الثورى الإسلامى» لم يطلق أى تهديدات، خلافاً لما كان يحصل سابقاً. وحتى الآن، أطلق مسئولان إيرانيان فقط تحذيرات صارمة بأن الانتقام قادم لا محالة.
ومع ذلك، من المتوقع أن يقوم «الحرس الثورى الإسلامى» بمحاولة لحفظ ماء الوجه من خلال اختراق المجال الجوى الإسرائيلى بطائرة بدون طيار خلال الأيام أو الأسابيع القادمة. ومن شأن أى خطوة من هذا القبيل أن تهدّد بتصعيد إضافى إذا شنّت إسرائيل ضربات تتابعية ضد المزيد من الأهداف الإيرانية فى سوريا.
وفى 10 أبريل، قام الممثل الخاص لروسيا فى المحادثات الدولية بشأن سوريا، ألكسندر لافرينتيف، بزيارة مفاجئة إلى طهران، حيث التقى مع الأمين العام لـ«المجلس الأعلى للأمن القومى» الإيرانى على شمخانى. ووفقاً لـ«وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء»، فقد أجريا محادثات عاجلة حول الضربة الجوية على قاعدة «التياس» (T - 4) وردود إيران المحتملة. وفى غضون ذلك، تشير تقارير إخبارية من سوريا إلى أن القوات الروسية وتلك التابعة لنظام «الأسد» قد وُضعت فى حالة تأهب قصوى بسبب العملية الإسرائيلية والرد العسكرى الأمريكى المرتقب على هجوم دوما الكيماوى.
أظهرت الأزمة الراهنة سلامة الرؤية المصرية ممثلة فى توجهات القيادة السياسية فى دعم غير مسبوق للقوات المسلحة تجعلها قادرة على حماية مصر وشعبها.. و«حزب الله» يستعد بـ100 ألف صاروخ وقذيفة.. و«طهران» تمد الحوثيين بأسلحة لاستهداف العمق السعودى
وبغض النظر عن الكيفية التى ستقرر بموجبها طهران الرد على هذه الغارة الجوية على المدى القصير، ستحافظ على الأرجح على عدد الطائرات بدون طيار فى غربى سوريا فى المرحلة القادمة، أو حتى تزيد من عددها. ولمساعدة هذه الأصول على تحمل الضرر الناتج عن عملية القصف، قد يقوم «الحرس الثورى» الإيرانى بنشر بعض أصوله الدفاعية الجوالة فى قاعدة «التياس» الجوية أو مناطق أخرى، ما يزيد مرة أخرى من خطر قيام المزيد من التصعيد إذا تم أيضاً استهداف هذه الأصول من قِبل إسرائيل.
وبعيداً عن تقديرات معهد واشنطن تدخل إسرائيل الصراع لرسم أدبيات جديدة للمنطقة تفرض خلالها أمراً واقعاً، فهذه هى المرة الأولى التى تتسق فيها أهدافها العسكرية ضد كيانات إقليمية وميدان معركة عربى بمباركة دول عربية، وهو الأمر الذى يعيد صياغة إسرائيل فى المنطقة بعد عقود من التهرب من استحقاق السلام وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته على أرضه المحتل وفق حدود ما قبل 5 يونيو 1967 وعلى النحو المستقر فى جميع القرارات الدولية ذات الصلة.
ولا يختلف الطموح الإسرائيلى عن الطموح القطرى فى هذه اللحظة الإقليمية الكارثية والعربية البائسة، إذ تطمح قطر لإعادة صياغتها إقليمياً مرة أخرى بمساعدة الولايات المتحدة لكسر المقاطعة العربية، وتجد فى جثة سوريا فرصة مناسبة، ففى العاشر من أبريل الجارى كتب سايمون هاندرسون، أحد أهم المتخصصين فى شأن الخليج، عن لقاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وأمير قطر تميم بن حمد فى البيت الأبيض، وأن العنوان العريض للمباحثات هو علاقات إسرائيل مع العالم العربى وتشكيل جبهة أكثر اتحاداً ضد إيران، وعقد مصالحة خليجية مع قطر قبل شروع السعودية فى تنفيذ القناة البحرية التى تحول قطر من شبه جزيرة إلى جزيرة.
ويكشف سايمون هندرسون أنه خلال زيارة قام بها إلى الدوحة فى الشهر الماضى، قال له أحد المسئولين القطريين: «ما كان ينبغى لنا أبداً أن نغلق المكتب الإسرائيلى» الذى كان قائماً من عام 1992 إلى 2011. وفيما يتعلق بغزة، قال: «هل تريدنا إسرائيل فعلاً أن نتوقف عن إرسال المال؟ من هى [الدولة] الأخرى التى ستقدم أموالاً لإعادة الإعمار؟» وعن حركة «حماس» قال: «تمرّ كل أموالنا عبر «البنك المركزى الإسرائيلى»».
وبحسب ما كشفه الباحث الأمريكى فإن قطر قد تقترح شراء المزيد من أنظمة الأسلحة الأمريكية، بالإضافة إلى توفير مرافق قاعدة للأسطول الأمريكى الخامس فى «ميناء حمد» جنوب الدوحة.
وفى بؤرة الحدث، تأتى المملكة العربية السعودية التى تستضيف أعمال القمة العربية فى هذا الظرف الدقيق، ومخاطر استهداف العمق السعودى فى حال تأجيج الموقف فى اليمن من قِبل العناصر الموالية لإيران، هذا البعد أفردت له صحيفة «ذى هيل» القريبة من الكونجرس الأمريكى نهاية مارس الفائت، وكان الحديث عن الحرب السعودية فى اليمن.
فى السادس والعشرين من مارس، اعترضت صواريخ «باتريوت» المزوّدة من قِبل الولايات المتحدة صاروخاً باليستياً أُطلق على العاصمة السعودية الرياض من قِبل المتمردين الحوثيين فى اليمن، بعد هذا الحادث كان الباحث الأمريكى مايكل نايتس فى اليمن وروى فى «ذى هيل» صعوبة وتعقيد الموقف، وبحسب ما ذكره وفقاً لتحالف دول الخليج والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، تنتهك إيران حظر الأسلحة الذى تفرضه الأمم المتحدة من خلال محاولة تزويد المتمردين الحوثيين بأنظمة صواريخ أرض - جو متقدمة. ويمكن أن يؤدى تهريب نسخ صواريخ «سام» (SAM) المعروفة بـ«صياد - 2C» (Sayyad - 2C) الإيرانية الصنع ومعدات تعقّب الطيران السلبية زيادة التهديدات التى يطرحها الدفاع الجوى على حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ما يهدد بدوره الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سلمية.
ويوضح أنه عند سقوط صنعاء فى أيدى الحوثيين فى سبتمبر 2014 وأجزاء أخرى من البلاد فى مارس 2015، صادر الثوار غالبية المخزون الحكومى من صواريخ «سام» من صُنع الاتحاد السوفيتى سابقاً والرادارات المرتبطة بها، بما فيها تلك من طراز «SA - 2» و«SA - 3» و«SA - 6» و«SA - 9»، فضلاً عن أنظمة الدفاع الجوى المحمولة. لكن هذه الأسلحة لم تشكل تهديداً خطيراً على طائرات التحالف. أولاً: أضحى الكثير منها قديماً وبحاجة إلى تصليح. ثانياً: دمر التحالف العديد من مواقع الدفاع الجوى الثابتة والرادارات والطائرات الاعتراضية التى يديرها المتمردون بحلول منتصف أبريل 2015. ثالثاً: قام المتمردون بتطوير صواريخ «SA - 2» المتبقية لتصبح صواريخ باليستية «أرض - أرض» قصيرة المدى تحمل اسم «قاهر 1» و«قاهر 2».
ونتيجةً لذلك، ظلت بيئة الدفاع الجوى فى اليمن حميدة إلى حد كبير. وكانت الخسائر التى تم الإبلاغ عنها فى عام 2015 ضئيلة للغاية؛ حيث تم إسقاط طائرة مغربية من طراز «F - 16»، وطائرة أخرى بحرينية من طراز «F - 16»، ومروحيتين سعوديتين من طراز «أباتشى AH - 64»، وما يصل إلى اثنتى عشرة طائرة استطلاع بدون طيار. وكانت حصيلة عام 2016 أقل بكثير باستثناء مروحية واحدة وطائرة بدون طيار تم إسقاطهما من خلال «سلاح خاص» غير محدد، غير أنه لم يتم تأكيد سقوط أى طائرة قتالية بنيران معادية فى ذلك العام، على الرغم من ادعاء الحوثيين بأنهم قد دمروا طائرة من طراز «F - 16» وأربع مروحيات وست عشرة طائرة بدون طيار.
حفّز هذا الافتقار الواضح للنجاح معسكر المتمردين على التوصل إلى تدابير مبتكرة مثل تطوير الصواريخ الحرارية جو - جو روسية الصنع من طراز «AA - 10 ألامو B» و«AA - 11» وربما «AA - 8» و«AA - 7» لتصبح أسلحةً مضادة للطائرات تستخدم الشاحنات كمنصة إطلاق. وبالإضافة إلى ذلك، تُستخدم هذه الأنظمة المترجلة لنصب الكمائن باستخدام صواريخ «سام»، أى هجمات مباغتة من مسافة قريبة ضد طائرات التحالف. ويصعب مواجهة مثل هذه الهجمات لأنها لا تعتمد على التوجيه بالرادار القابل للكشف. بدلاً من ذلك، تستخدم مستشعرات الأشعة تحت الحمراء التى تبحث عن الحرارة لاستهداف الطائرات النفاثة التى تحلق فوق قمم الجبال.
وأدت هذه الابتكارات إلى العديد من الحوادث المثيرة للقلق خلال العامين الماضيين:
23 فبراير 2017
قامت طائرة بدون طيار تابعة للتحالف بتصوير شاحنة تحمل صاروخاً مضاداً للطائرات من طراز «سام AA - 10» للمرة الأولى فى منطقة الصليف الساحلية.
24 فبراير
تحطمت طائرتان من طراز «F - 16» (إحداهما أردنية) فى محافظة نجران السعودية. وزعم الحوثيون أنه تم إسقاطهما، إلا أن التحالف توصل إلى أن الطائرة الأردنية قد تحطمت بسبب عطل فنى.
15 مايو
ذكرت وكالة الأنباء اليمنية الخاضعة للحوثيين أنّ متحدثاً باسم المتمردين قد حذّر من أنّ نظام دفاع جوى جديد سيدخل حيّز الخدمة «قريباً جداً» و«سيفاجئ» التحالف، وسيقلب مقاييس الحرب الجوية. وبعد أربعة أيام، ادعى الحوثيون إسقاط طائرة «F - 15» من خلال «نظام دفاع جوى جديد ودقيق للغاية».
7 يناير 2018
استهدف صاروخ مضاد للطائرات من طراز «AA - 10» الذى طوره الحوثيون، طائرةً سعودية من طراز «F - 15» وألحق أضراراً طفيفة بها.
21 مارس
أطلق المتمردون المتمركزون فى مطار صعدة صاروخاً آخر من طراز «AA - 10» على طائرة «F - 15» سعودية، ما تسبب فى أضرار طفيفة.
26 مارس
تعرّضت طائرتان إماراتيتان من طراز «F - 16» للاستهداف من صاروخ حرارى انطلق من الأرض، غير أن هذا الهجوم باء بالفشل.
يدّعى التحالف أيضاً أن إيران قد أرسلت أنظمة صواريخ جديدة إلى اليمن، وعرض شحنات تم الاستيلاء عليها كدليل على ذلك. وفى 26 مارس الفائت، كشف المتحدث الرسمى باسم قوات التحالف، العقيد تركى المالكى، عن وجود هيكل لصاروخ ومعدات إلكترونية حربية يُزعم أنه تم تهريبها إلى البلاد فى وقت سابق من ذلك الشهر لاستخدامها من قبَل الحوثيين. ولم يضم هيكل الصاروخ قسم الأنف التوجيهى الأمامى ولا بعضاً من جُنيحاته ولا أسطح التحكم، حيث لم يتم اعتراضها فى نفس الشحنة. ومع ذلك، حمل علامات واضحة ووسماً (بالفارسية) تابعاً للصاروخ الإيرانى «سام صياد 2C».
وتتضمن سلسلة منظومات «صياد» ثلاثة صواريخ متوسطة المدى (75 - 120 كم)، وصواريخ تضرب أهدافاً عالية الارتفاع (27 كم) وهى: «صياد 1» وهو النسخة المحلية من المنظومة الصينية «HQ - 2» وهى بدورها نسخة من «SA - 2»، و«صياد 2» الذى يستند إلى منظومات «RIM - 66 SM - 1» التى طورتها الولايات المتحدة فى سبعينات القرن المنصرم، و«صياد 3»، وهو نسخة ذات مدى أطول من «صياد 2». وبالمقارنة مع الرأس الحربى الصغير نسبياً لمنظومة «AA - 10» الذى يبلغ وزنه 35 كيلوجراماً، فإن «صياد 2» يضم رأساً حربياً مدمراً وزنه أكثر من 195 كيلوجراماً.
وقد يكون لبعض أنواع صواريخ «صياد» قدرات إضافية. ووفقاً لإيران، يمتلك «صياد 3C» قدرةً على استخدام الأشعة تحت الحمراء فضلاً عن التوجيه بالرادار النشط وشبه النشط. كما أن «صياد 1(A)» هو أيضاً مجهز بهذه التقنية. أمّا «صياد 2C»، وهو البديل الذى يدّعى التحالف أنه استولى عليه، فلم يظهر علناً فى إيران، لذا قد يكون نسخةً تجريبية أخرى مخصصة للاختبار فى اليمن. ولم يكن هذا مفاجئاً، لأن إيران أرسلت للحوثيين نسخاً بعيدة المدى من صاروخها الباليستى «قيام - 1» (Qiam - 1)، الذى تم تعديل كل منها خصيصاً للوصول إلى الرياض. وفى ظل غياب الرأس الحربى والجنيحات من صاروخ «صياد 2C» المصادَر، لم يتمكن التحالف من أن يحدد بشكل قاطع ما إذا كان المقصود منه تطوير صاروخ «سام» أو صاروخ أرض - أرض، أو ماهية القاذفة التى يمكن إطلاقها منه.
بالإضافة إلى «صياد 2C»، أكّد التحالف أنه استولى على أنظمة تتبُّع إلكترونية صنعتها الشركة الإيرانية «بهينه بردازان ريزموج صنعت» (Behine Pardazan Rizmojsanat BP - RMS)، وعلى وجه التحديد، جهاز مرسل مستجيب (يعرف أيضاً باسم مستقبل الرادار الافتراضى) يجمع بشكل سلبى إشارات تنظيم الملاحة الجوية التى تبثّها الطائرات العسكرية والتجارية. واستناداً إلى أنظمة البث الإذاعى المعتمِدة على الأقمار الصناعية وغيرها من خيارات التتبع السلبى، يمكن لأجهزة استقبال الرادارات الافتراضية التى توردها إيران أن تساعد الحوثيين على مراقبة طائرات التحالف وفك شفرتها وعرض موقعها الجغرافى الدقيق وارتفاعها وزاوية انحدارها/مسارها واتجاهها وسرعتها ومصدرها وإشارة ندائها ضمن دائرة يبلغ نصف قطرها أكثر من 250 كم. ويمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لاستخلاص حلول تستهدف بطاريات الدفاع الجوى، ما يسمح لصواريخ «سام» الحوثية بالعمل من دون انبعاثات منبّهة تنتجها رادارات المراقبة.
وبهذه القدرة، قد يتمكن الحوثيون من شن هجمات «فجائية» خطيرة يستخدمون فيها أنظمةً سلبيةً لتتبع الهدف ثم إطلاق صاروخ فى الاتجاه الصحيح. ولا يتم تنشيط نظام التوجيه بالأشعة تحت الحمراء أو الرادارات حتى يقترب من الهدف. وبالإضافة إلى تحسين أسلوب الحوثيين فى تطوير صواريخ حرارية جو - جو إلى «سام»، يمكن أن يساعد مستقبل الرادار الافتراضى، الذى تزوده إيران للمتمردين، فى نصب الكمائن مستخدمين صواريخ «سام SA - 6» شبه النشطة، التى يتم توجيهها عن طريق الرادار.
هذا التحليل الاستراتيجى والميدانى الذى ذكره مايكل نايتس يلقى بمزيد من القلق حول سعى إيران لاستهداف العمق السعودى عبر اليمن كى توسع دائرة الاشتباك التى ستطول أهم حلفائها فى المنطقة سواء نظام بشار الأسد أو حزب الله اللبنانى.
وماذا عن روسيا؟
لعل هذا هو السؤال الأهم فى هذه اللحظة.. ومرجع أهميته أن روسيا بالفعل قامت ببناء استراتيجية فى منطقة المتوسط وشمال أفريقيا، ويأتى هذا الصدام الإقليمى العالمى المتوقع فى سوريا بعد أيام من إعادة انتخاب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى خاض مع الغرب قبل أسابيع ما عرف بحرب الدبلوماسيين على خلفية قضية تجسس.
قبل عام قدمت شبكة سى إن إن الإخبارية تقريراً عن تنامى النفوذ الروسى فى المنطقة واستراتيجية «بوتين» التوسعية وأنها تتجاوز الصراع السورى وتذهب إلى عمق الصراع العالمى فى ملف الطاقة والغاز على وجه الخصوص، وفى يونيو 2017 عقدت لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى جلسة استماع حول هذا الأمر واستدعى إليها كبار الباحثين المعنيين بالملف، وخلصت هذه الجلسة إلى تقدير موقف لمواجهة «بوتين» وطموحه فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وجاء نص المقررات على النحو الآتى:
إذا أرادت واشنطن أن تحدّ من نفوذ موسكو وتحسّن الموقف الاستراتيجى للولايات المتحدة تجاه روسيا فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتعين عليها أن تتبنّى استراتيجية تضمّ الخطوات التالية:
الاعتراف بأنّ «بوتين» ليس شريكاً فى محاربة الإرهاب:
بينما تصبّ مكافحة الإرهاب فى مصلحة روسيا، تظهر أعمال «بوتين» أنّه أكثر اهتماماً بإضعاف الغرب وتقسيمه من العمل معه، ويشمل ذلك تمكين القوات المسئولة عن الإرهاب فى طهران ودمشق. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج «بوتين» إلى الغرب كقوةٍ معاكسة يمكن أن يلومها جراء فشله على المستوى المحلى. لذلك، يجب أن يقتصر التواصل بين المسئولين الأمريكيين و«بوتين» على منع وقوع نزاع عسكرى. إذ إنّ التوفيق سيحقق نتائج عكسية. ولا يستجيب «بوتين» بإيجابية إلّا عندما يعمل المسئولون الأمريكيون من موقع قوة.
الانخراط بفاعلية فى الشرق الأوسط:
ليس من الضرورى أن تكون روسيا موازيةً للولايات المتحدة عسكرياً واقتصادياً لكى تشكّل تحدّياً للمصالح الغربية. فعلى سبيل المثال، لا تملك روسيا سوى حاملة طائرات واحدة، وهى «الأدميرال كوزنيتسوف» التى تعانى من الصدأ والتسرب والمعرضة للاشتعال. أمّا الولايات المتحدة فتملك عشر حاملات طائرات أكثر تطوّراً بكثير. بيد أنّ «بوتين»، وبمجرّد حضوره فى وقتٍ كانت فيه الولايات المتحدة غائبة عن الساحة، تمكّن من تعقيد بيئة العمليات فى الشرق الأوسط والبحر المتوسط وعزز نفوذ روسيا هناك.
تحسين التعاون الأمنى:
يمكن للقوات البحرية الأمريكية أن تزيد من زياراتها إلى المرافئ فى الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط من أجل تعزيز الفكرة داخل المنطقة بأنّ الولايات المتحدة تدعم حلفاءها وتدافع عنهم ولا تتراجع. ويمكن للقوات العسكرية الأمريكية أن تزيد أيضاً من التدريبات التى تجريها غير تلك التى تنظمها سنویاً مع المغرب ومصر والأردن، لتشدد بذلك على قابلية العمل المتوافق بين الدول العربية الموالية للغرب.
الانخراط عسكرياً فى سوريا:
على مدى سنوات، لاحظ «بوتين» وجود نقاط ضعف ملحوظة من الغرب، فأثبت وجوده فى سوريا لأنه اعتبر أنّ الغرب لن يحرّك ساكناً للردّ عليه. وامتنع صانعو السياسات فى الولايات المتحدة عن اتخاذ أى إجراءاتٍ فعلية فى سوريا خوفاً من مواجهة عسكرية مع روسيا. بيد أن «بوتين» يعرف حدوده ولا يسعى إلى مواجهةٍ مباشرة. وبالفعل، وكما أظهرت الضربة التى شنتها الولايات المتحدة بالصواريخ الجوالة فى 7 أبريل، لم يتمكّن «الكرملين» من عمل أى شىء إلّا التذمّر من الحادثة على الرغم من تبجّحاته. وبدلاً من إشعال نزاعٍ مع روسيا، تلقّى «بوتين» للمرة الأولى منذ سنوات رسالةً مفادها أن للولايات المتحدة خطوطاً حمراء لا يمكن له أو لوكلائه أن يتخطّوها. لذلك، فعوضاً عن إغراء «بوتين» بالحوافز، يتعين على واشنطن أن تثبت أنّ احتضانه لـ«الأسد» يفرض تكاليف هائلة على روسيا.
التركيز على الدبلوماسية:
لن تُسفر الاستراتيجية العسكرية وحدها عن الهدف المنشود. وليس من الضرورى تأمين الموارد اللازمة للدبلوماسية الأمريكية فحسب، بل توجيه الدبلوماسيين للتصدّى بنشاط للخطوات الروسية فى المنطقة أيضاً. وليس التمويل وحده مقياساً للفاعلية فى غياب استراتيجيةٍ أوسع نطاقاً.
استثمار المزيد من الموارد للتصدّى للجهود الدعائية التى يقوم بها «الكرملين»:
تسعى الدعاية الروسية إلى التضليل وزرع الشكوك وإحداث الشلل فى نهاية المطاف. فليس من الضرورى أن تدوم الأكاذيب لكى تُحدث ضرراً دائماً. وفى الشرق الأوسط تحديداً، تغذّى الدعاية الروسية فكر المؤامرة، مستغلةً الميول السائدة إلى هذا الفكر فى المنطقة. وعوضاً عن البقاء فى موقع الدفاع بصورة دائمية، يتعين على الولايات المتحدة أن تبذل جهوداً أكبر فى خلق الانطباعات الأولى. وتشير دراسة حديثة لمؤسسة RAND إلى أنّه وفقاً لعلماء النفس، يبقى الانطباع الأول صامداً للغاية ويصعب تبديله. وبما أنّ الدعاية الروسية لا تهتم بنشر الحقيقة، فإنها غالباً ما تسيطر على هذه الانطباعات. وفى هذا الصدد، يمكن للولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها الإقليميين لإقامة منافذ إعلامية تؤمّن مصادر معلومات بديلة وتتصدّى لتأثير موسكو السلبى.
الاعتراف بعدم وجود حلّ سهل وتسوية سهلة على المدى البعيد:
غالباً ما نتحدّث عن «بوتين» على أنه يفكّر على المدى القريب. إلّا أنّه استمر فى موقع السلطة لفترة دامت سبعة عشر عاماً، ولا يتعيّن عليه تقييد نفسه بالمهل الزمنية السياسية المحدودة التى يعمل بموجبها القادة الديمقراطيون. وتنكشف نقطة ضعف «بوتين» عندما يستعيد صانعو السياسة الأمريكيون القيادة بقوّة الوضوح الأخلاقى.
هذا النص يتسق مع إعادة تموضع استراتيجى نجحت فى تحقيقه روسيا خلال السنوات القليلة الماضية جعل حضورها الإقليمى يكاد يماثل أقوى عصور الحرب الباردة.. وبالعودة إلى المشهد الراهن نجد أن صانع القرار الأمريكى قد التزم شبه حرفى بهذه التوصيات تجاه مواجهة روسيا فى الشرق الأوسط وتحديداً فى سوريا ووصل معها إلى لحظة التهديد باستخدام القوة.
أخيراً.. تبعات المشهد على مصر
فى العرض السابق سعينا إلى صناعة صورة بانورامية لحجم الكارثة الإقليمية، ورغم كل ما سبق فالواقع أشد وطأة من السطور، هذا التحدى الصعب فى حال تدهور الوضع فى سوريا وما يتبعه من امتدادات إقليمية من المؤكد أنها تفرض تحديات جديدة للأمن القومى المصرى وذلك بالنظر إلى العناصر الآتية:
أولاً: نجحت مصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ترسيخ مبدأ استقلال قرارها الدبلوماسى وظهرت هذه الاستقلالية تحديداً فى الملف السورى من خلال محافل مختلفة أكدت خلالها مصر على موقف ثابت وهو التمسك بوحدة الشعب والأراضى السورية وأن لا مجال للحل العسكرى وأن الإرهاب لا يمكن أن يكون جزءاً من مستقبل سوريا.
ثانياً: يأتى هذا الاحتدام الإقليمى فى توقيت تخوض فيه مصر معارك شرسة ضد الإرهاب ومعركة حقيقية للتنمية، وبالتالى تتحسب لعوامل الخلل التى قد تضرب منظومة الأمن الإقليمى العربى التى عملت جاهدة خلال السنوات القليلة الماضية لاستعادة تماسكها بالتأكيد على مفهوم الدولة الوطنية ودعمها ودعم الجيوش الوطنية التى تشكل عماد هذه الدول.
ثالثاً: لدى مصر خصوم معلنون فى الإقليم وهم إيران وتركيا وقطر وآخرون غير معلنين يريدون تعطيل مصر عن وجهة التحديث التى تمضى فيها وهو المعسكر الذى سمته القيادة السياسية المصرية اصطلاحاً باسم «أهل الشر»، وفى ظل الفوضى الإقليمية سيسعى هذا المعسكر لإلحاق الضرر بمصر بفتح جبهات مختلفة سواء بدعم الإرهاب وكذلك شن حملات إعلامية موجهة تسعى للانتقاص من دور مصر الإقليمى.
رابعاً: إعادة رسم الخريطة العالمية للثروة والطاقة جعل مصر فى قلب الصراع العالمى الراهن ولكنها تدخل هذا الصراع وهى كتلة متماسكة قوية مستندة على نظام سياسى قوى تلتف حوله الجماهير وهى النتيجة التى حققتها الانتخابات الرئاسية الماضية بمشاركة 25 مليون ناخب.
خامساً: أظهرت الأزمة الراهنة سلامة الرؤية المصرية ممثلة فى توجهات القيادة السياسية فى دعم غير مسبوق للقوات المسلحة المصرية تجعلها قادرة على حماية مصر وشعبها وثرواتها فى ظل هذا الجحيم الإقليمى.