صياد من «المكس»: تركت المهنة بعد 70 سنة من عمرى وبعت المراكب وتعبت نفسياً
محمد حتة
جلس إلى جوار شرفة منزله المطلة على مراكب الصيد فى مجرى الماء، ينظر إليها بشوق وشغف، بعد مرور 5 سنوات على قرار ترك العمل، عقود عمره السبعة التى قضاها داخل هذا البيت ضمن بيوت أخرى فى منطقة «المكس» وبين مراكب الصيد، جعلته أسيراً للحزن بسبب ما وصل إليه حال صيادى المنطقة.. إنه «الريس محمد حتة»، اللقب الذى له مكانة خاصة فى قلوب جميع الصيادين بالمكس لأنهم يعتبرونه أباً للجميع، ومعلماً للأجيال، فمنه شربوا حب المهنة وتربوا على يديه ويلجأون إليه فى كل أزمة طلباً للنصيحة دون كلل أو ملل.
«أنا كل يوم كنت بحمِّل عربية سمك من المراكب بتاعتى، وكان شغال معايا 30 عامل، بس الكلام ده زمان أيام ما كانوا بيسموا المكس الكويت، وقتها كان بيجيلها ناس تشتغل من كل مكان فى مصر».. هكذا بدأ الريس «حتة» حديثه، حيث كان يمتلك قديماً 3 مراكب للصيد حملت جميعها اسم «رابحة»، لم يتبق منها شىء بعد أن قرر بيعها لصعوبة العمل فى الصيد بسبب التضييق عليهم يوماً بعد آخر، وقال بحسرة: «الدنيا ضاقت علينا وكل حاجة بقت تقرف وكل شوية يطلع قرار يرخم علينا أكتر».
«الريس حتة»: «زمان مارضيتش أشتغل غيرها.. والدنيا ضاقت عليا وأيام الرزق راحت»
الصيد فى منطقة «المكس» كان يتم من خلال رخصة تمنح للصياد ومركبه، إلا أن تراخيص مراكب الصيد تم وقفها من 15 سنة، وهو ما سبب أزمة كبيرة، وأصبح العمل من خلال «رخصة النزهة»، وفق شروط لا تساعد الصياد على العمل بالشكل الكافى ولا يسمح له بممارسة عمله فى البحر بحرية، فمواعيد العمل وفق هذه الرخصة تبدأ فى السادسة صباحاً وتنتهى فى السادسة مساءً، ومن يعمل وفق هذه الرخصة لا يمكنه البيات فى البحر، قالها الريس «حتة»، مضيفاً: «عشان الشغل كله بيبقى بالليل الصياد بيتحايل على الموضوع ده بأنه يطلع بالمركب الساعة 4 العصر، يرمى الغزل فى البحر ويرجع قبل الساعة 6، وبعد كده يرجع تانى يوم الصبح يلم الغزل».
مشكلات عديدة تواجه صيادى المكس نتيجة العمل وفق هذا النوع من التراخيص، وفقاً لـ«حتة»، فمن الممكن أن يتعطل المركب أثناء وجوده فى البحر أو يتأخر عن موعد الدخول لأى سبب خارج عن إرادته، وفى هذه الحالة يتم التضييق على الصياد عند عودته بصورة كبيرة، ومن الممكن أن يتم إيقافه عن العمل عدة أيام قد تصل لأسبوع كامل، إضافة إلى أن الصياد قد يتفاجأ صباحاً بإغلاق البحر ومنع الصيادين من الدخول لأى سبب، وهنا تكون مشكلة أخرى أكبر: «الصياد بيكون رامى غزلين وتلاتة فى أكتر من مكان عشان لو واحدة مجابتش حاجة التانية تجيب، وطبعاً كل ده تكلفة كبيرة صعب الصياد يتحملها فى الأيام اللى البحر بيكون مقفول فيها، والمشكلة إن الموضوع اتكرر كتير جداً السنة اللى فاتت لدرجة إنها اتقفلت طول السنة 3 شهور، وأفتكر زمان أيام الإنجليز لما حاجة زى دى كانت بتحصل كانوا بيعملوا يوميات للصيادين عشان يعوضوهم».
«ورثت مهنة الصيد، فى المكس، عن والدى وجدى، وورثتها لأبنائى»، جملة قالها الصياد العجوز وهو يعود بذاكرته إلى الخلف «أيام الرزق» مضيفاً: «كنت بطلع بالمركب وببات فى البحر وبرمى 3 رميات بالليل ونرجع الصبح، الرجالة اللى معايا تاخد حقها والمركب تاخد حقها ويفيض رزق كتير، لكن دلوقتى اللى بيشتغل فى البحر الدولة مش معتبراه صياد، ولا عارف يروح ولا ييجى، الصيادين غلابة ويكفيهم فى اليوم «طقة واحدة عشان يعرفوا يعيشوا، وأنا زهقت لأن الواحد مبقاش ليه مكان ولا كلمة، ومهما بنتكلم مفيش حاجة بتتغير».
ذرفت عيناه الدموع وهو يختم حديثه قائلاً: «أنا اشتغلت المهنة دى زمان ومرضيتش أشتغل غيرها عشان كنت شايفها شغلانة بتخلينى حر، لكن دلوقتى الكلام ده مبقاش موجود، والواحد كان بيتحايل عليهم عشان يرضوا يسرحوه، وده تعبنى نفسياً وخلانى سبت الشغلانة».