حكاية«ماهر» مع الأزمة: "معاشى أقل من ألف جنيه.. ومبيكفوش أكل وشرب وعلاج"
فى إحدى زوايا شارع الفتح الضيقة بحى دار السلام بالقاهرة، يعيش ماهر مصطفى محمد (56 سنة)، فى إحدى الشقق المتواضعة بصحبة زوجته وبنتيه، مرتديا جلبابا أبيض بسيطا. يترجل الحاج ماهر، كما يناديه أهل المنطقة، إلى زاوية صغيرة تبعد عن شقته أمتارا قليلة يؤدى فيها صلواته الخمس، وبعد كل صلاة يدعو ربه أن يخفف عنه متاعب الحياة وشقاءها وأن يبسط له فى رزقه.
«معاشى 975 جنيه بأقبضهم أول كل شهر، بدفع منهم 360 جنيه على العلاج والدواء، وبيتبقى حوالى 600 جنيه، هيعملوا للواحد إيه مع الأسعار المولعة دى؟»، بتلك الكلمات بدأ الرجل الخمسينى كلامه عن ارتفاع الأسعار وهو جالس على سرير صغير وسط غرفته المطلية باللون السماوى. يمسك بمصحف فترة قصيرة ثم يضعه على المنضدة ليكمل منفعلا: «كنت شغال فى شركة وادى كوم أومبو لاستصلاح الأراضى وخرجت معاش مرضى من 7 سنين، وكان أول معاش قبضته 450 جنيه».
يعتدل الرجل فى جلسته وينظر إلى الفراغ، ويقول: ارتفاع الأسعار الجنونى مع الدواء الشهرى تسبب فى حدوث مشكلات أسرية بالبيت، الست عاوزة تجيب وإحنا مش عارفين ندفع. البنت الصغيرة لسه مخلصة دبلوم وعلى وش جواز، وعاوزة تجيب جيبة أو بنطلون مش عارفين نديها، يدوب بنوفق بين الدوا والأكل، وابنى الكبير عنده 32 سنة متجوز ومخلف ومش بيدينى جنيه، أنا أعول بمعاشى المحدود زوجتى وبنتين.
يكمل فى غضب: «مراتى عاوزة تشترى أكل وشرب، وأنا مش معايا فلوس يدوب اللى جاى على قد اللى رايح، كيلو البطاطس بـ7 جنيه والبامية بـ12، والفاصوليا بقت بـ16 جنيه، هناكل إيه على كده؟».
يصمت الحاج ماهر، قليلا وينحنى بجسده إلى الأمام، ثم يكمل بصوت حزين: «باجيب 2 كيلو لحمة فى الشهر على مرتين، لأن سعرها غالى بقى بـ60 جنيه، وتعرف إن الدكتور اللى بتعالج عنده قاللى ما تاكلش غير سمك وأرانب عشان التعب اللى عندك، والست بتاعتى بتشفق عليا وتقول هات لك أرنب وبلاش إحنا ناكل لحمة المرة دى، وأنا بأرفض».
تتساقط الدموع من عين الرجل، ويصمت لفترة، ثم يتابع حديثه بصوت خفيض مملوء بالحزن: «خرجت على المعاش مرضى، وعجز كلى مستديم، ومصاب بالصدفية بنسبة 75%، قال لى بعض الأطباء إن سبب الإصابة يرجع إلى الاضطرابات النفسية أو العدوى كما أُصبت بورم فى خصيتى وأجريت عملية جراحية كبيرة كلفتنى 5 آلاف جنيه عند أحد الأطباء المشهورين، دا غير العلاج والدواء، لو كنت عملتها فى التأمين الصحى بالمقطم كنت هاخد كفنى معايا، العلاج والخدمة به متدنية».[FirstQuote]
يضيف: بسبب ارتفاع ثمن العلاج ذهبت إلى هناك للحصول على الدواء، وعلى الرغم من بُعد المكان، فإننى كنت أتعرض لمعاملة سيئة جدا هناك: «الدكتور كان بيشوف 15 بطاقة بس، وبعدين يسيب الباقى على الدكتور اللى بعده»، كما أن علاج التأمين لم يكن مجديا فتركته واضطررت إلى شراء العلاج من الصيدليات على نفقتى الخاصة.
يرتفع صوته ويقول بصوت جهور: منذ خصخصة شركة كوم أومبو وأنا مصاب باكتئاب نفسى: «لمّا كانت قطاع عام، كانت أيام عز، لكن بعد ما اتباعت بقت عاملة زى المقابر، وما شفناش فيها يوم حلو، رحنا نطالب بفلوسنا قالوا مفيش سيولة، روحوا اشتكونا فى النيابة»، مستحقاتى بالشركة نحو 35 ألف جنيه، من صندوق اتحاد المساهمين لأن الشركة جرى بيعها للعمال الذين يعملون بها، وإدارة الشركة الجديدة قالت سندفع المبلغ على أقساط، لكن لو أخذنا 300 جنيه فى السنة «يبقى نعمة وفضل، وغالبا بناخدهم فى العيد الصغير».
يعتدل فى جلسته من جديد ثم يسند وجهه على أصابعه، حتى يكسو الغضب ملامح وجهه، ويقول: بعد صلاة الفجر صباح اليوم اقترب منى أحد زملائى بالمعاش من أهل المنطقة، وقال لى «مش هيزودوا المعاشات بقى؟ البوتاجاز عندى باظ وعاوز يتصلح بـ400 جنيه»، قلت له «ربنا يسهل ممكن يزودونا 50 جنيه»، شفت وصلنا لإيه بقينا مستنيين أى زيادة حتى لو بسيطة، الحمد لله أنا مقيم ببيت حمايا، لو كنت قاعد برة بالإيجار كنت هاجيب منين.
يستطرد رب الأسرة: منذ بضعة أشهر، سمعنا أن من خدم فى القوات المسلحة فى الفترة التى تسبق عام 1984 من حقه التقدم لضم تأمينات تلك المدة إلى فترة تأميناته الأساسية وذهبت إلى مدير التأمينات بالعتبة، وقدمت إليه الأوراق المطلوبة التى حصلت عليها من السجلات العسكرية، فرفض استلامها وقال: «لازم يكون متأمن عليك قبل تجنيدك».
يختتم حديثه قائلا: «طلعت كومسيون طبى، والمفروض الواحد صاحب العجز الطبى يكون له حاجة، على أساس إنه صاحب مرض. أنا داخل الشغل سليم وجالى المرض من الشغل، كنت شغال ممرض فى الوحدة الطبية بالشركة، عاوز الحكومة تريحنا فى حكاية الأسعار عشان نقدر نعيش، أقسم بالله العظيم الفلوس ما بتكملش 15 يوم معايا، وبعدين باستلف من جيرانى وأصحابى لحد ما أسدد من المعاش اللى جاى وبعدين أسدد من اللى جاى، لا حول ولا قوة إلا بالله، كنت هابعت جواب للفريق السيسى عشان أتعالج على نفقة القوات المسلحة باعتبارى أحد جنودها السابقين. ويا ريت يسمعنى ويخفف عنى الحمل شوية».
الأخبار المتعلقة:
الأسعار تعلن"الحرب"
«الوطن» ترصد رحلة الأسعار من سوق العبور إلى يد المواطن
أسواق مصر.. «فوضى أسعار وغش أوزان»
«حماية المستهلك»: الأسعار بتزيد علشان الناس بتشترى كتير
فاكهة الموسم.. أسعارها تصل إلى الضعف.. والمستورد «نار»
الفلاحون: زراعة الخضار زى القمار.. وسعر البطاطس ارتفع بسبب التصدير
طعام الفقراء: «عضم الفراخ» بالحجز.. وأسعار الخضراوات والفاكهة المعطوبة تتجاوز الضعف
الأزمة: تجنبها«عبدالناصر».. وواجهها«السادات».. وأسقطت «مبارك»
«الوطن» ترصد«حجج»أطراف أزمة الأسعار
التجار يتبرأون من رفع الأسعار: «قلّة مندسّة» تحقق مصالحها على حساب المستهلك
عروض الأسعار والمجمعات الاستهلاكية.. فرص مضمونة فى حدود الميزانية