زوجة «الأبنودى»: أوصانى أن لا أغلق بابى فى وجه سائل أو محب
نهال كمال
فى منزل غلفت حوائطه السيرة الهلالية ومديح الرسول وأشعار الأبنودى، تطل من جنباته رائحة ماضٍ قريب، تزيّنه مجموعة صور لرموز مصرية رحلت ولا يزال نورها يضىء الحاضر والمستقبل، الخال بصحبة نجيب محفوظ وأحمد زويل والغيطانى وغيرهم، يلفت انتباهك عود عتيق ما إن تلمسه حتى تستشعر ألحان بليغ حمدى يدوى صداها على أشعار عبدالرحمن الأبنودى فى انتظار العندليب ليتغنّى بأنشودة وطنية تشتاق لمبدعيها.
نهال كمال : «مصر اللى بتحب موال النهار متونسة بأشعاره»
هنا كانت أول أيامى كزوجة عبدالرحمن الأبنودى، قالت نهال كمال، فى حوارها لـ«الوطن»: «شهد منزل المهندسين أحلى أيام حياتى، كل قطعة من هذا الأثاث شهدت ذكرى لنا، كان هذا المنزل مفتوحاً دائماً للأصدقاء، فى هذا الركن دندن (بليغ) الأشعار، وهنا كان مكتبه، وهناك جلست آية لتلقّى دروس البيانو، لا أزال حريصة على تنفيذ وصية الخال وعلى استكمال ما بدأه، وأكبر أحلامى أن تُدرس سيرته الذاتية فى المناهج».
كيف تمضين أيامك بعد 3 أعوام من رحيل الخال؟
- الأبنودى ترك لى إحساساً بالمسئولية، حمّلنى رحيله مسئولية كبيرة بالحفاظ على ما تركه، وحفظ تراثه وتعريف الأجيال المقبلة به، أستكمل ما بدأه الأبنودى، وما كان يرغب فى فعله ولم يمهله القدر، لذلك أحرص على تنفيذ وصيته بأن لا أغلق بابى فى وجه سائل أو محب، وأن أحتفظ بهاتفه مفتوحاً دائماً، أصل من كان يصلهم، لا يزال كل شبر فى المنزل كما تركه، لا تزال نظارته وعصاه على مقعده، مكتبه لم يبارح مكانه، وكأنه ينتظره ليستكمل مسيرة أشعاره، شجيراته الصغيرة فى حديقة الإسماعيلية نعتنى بها وتذهب ثمارها لمن كان حريصاً على أن تذهب إليهم كل عام.
ما المستجدات فيما يخص مشروع الأبنودى الثقافى؟
- سعدت هذا العام بإعلان مكتبة الإسكندرية تبنّيها منح جائزة باسم عبدالرحمن الأبنودى للشعراء الشباب فى شعر العامية، وهو ما كان سيُسعد الأبنودى كثيراً، لأنه كان يرى دائماً أن مصر ولّادة، وأنها كما أنجبت أمل دنقل والأبنودى ستنجب المزيد، وكنت أتمنى أن تكون وزارة الثقافة سبّاقة وتفى بما وعدت به من قبل عند افتتاح متحف السيرة الهلالية بمنح جائزة باسم الأبنودى، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
أسعى لتحقيق حلمه بتدريس سيرته الذاتية.. ومتحفه وتمثال الميدان مؤجلان
هل هناك تطورات حول مشروع متحف الأبنودى؟
- للأسف المتحف بالإسماعيلية وتمثال الميدان مشروعان مؤجلان فى انتظار التحقيق.
من لا يزال حريصاً على زيارة الخال؟ ومن خذل نهال كمال بعد رحيل الأبنودى؟
- لا يزال أصدقاؤه المقربون حريصين على زيارته بشكل دورى، كما لا يزال البسطاء ممن كان لا يرد لهم طلباً يطرقون بابه، ونظراً لأن المقبرة متاحة للجميع لا يزال أصدقاؤه حريصين على زيارته حتى فى عدم وجودى، وأتلقّى عشرات المكالمات الهاتفية من محبّيه يؤكدون أنهم كانوا فى زيارة له، وأنا لا أتوقف أمام من خذلنى، أتجاوزهم لأن أمامى مهمة كبيرة.
ما تلك المهمة التى تحلمين بتحقيقها؟
- تدريس السيرة الذاتية للخال، التى كتبها بنفسه عن نفسه، هو حلمى وحلمه وطلبه الأخير، والتى جُمعت فى 3 مجلدات باللغة العربية الفصحى فى كتاب «أيامى الحلوة»، والتى تُعتبر صورة مشرّفة لأبناء الصعيد وتوضح المبادئ والقيم التى تربى عليها أبناء الجنوب، كما تمنح الشباب القدوة والأمل فى الغد، لأنها ترصد كيف نجح شاب فى مقتبل حياته جاء من صعيد مصر لا يحمل سوى حلمه فى أن يصبح أهم شاعر للعامية وأصبح له لونه الخاص وتغنّى بأشعاره كبار مطربى الوطن العربى وأصبحت كلماته سجلاً للتاريخ فى حب مصر.
وماذا عن توثيق تراث الأبنودى؟
- بمعاونة مشروع «ذاكرة مصر الحديثة والمعاصرة» بمكتبة الإسكندرية نحاول توثيق كل ما كتبه «الأبنودى» وتحويله إلى «ديجيتال» لنشره على موقع ذاكرة مصر المعاصرة، والسؤال الذى يؤرقنى: هل يمكن أن تمنحنى القنوات التى ظهر فيها الخال المادة الفيلمية المصورة لتكون بمثابة سجل للزمن أم سنتركها حتى تصبح طى النسيان؟
«عبدالرحمن» شعر بأن «السيسى» سينقذ مصر وقال له ذلك وأوصاه بالفقراء والشباب
هل طلبتِ يوماً من «الأبنودى» التوقف عن الكتابة فى أمر ربما يعرضه للخطر؟
- طوال تاريخنا معاً لم أطلب منه الامتناع عن كتابة شىء مقتنع به، وإلا لن يكون «الأبنودى» الذى حاربت الدنيا لأرتبط به. لم أخشَ أن يترصّدنا أحد، فقد تربيت فى بيت كان والدى فيه ضابط احتياط فى حرب الاستنزاف، وعشت فى السويس وأنا طفلة، ورأيت الجرحى والموتى والقنابل، وكان لدينا أنا والأبنودى قناعة بأن العمر واحد والرب واحد، حتى إننا عشنا بلا حراس، و«آية ونور» فى القاهرة نفس الوضع. كان لدى «الأبنودى» رادار يعرف به الأشخاص ويستشعر الخطر كما يستشعر النفوس الصادقة، شعر بأن «السيسى» سينقذ مصر، وقال له ذلك، وأوصاه بالفقراء والشباب، وهما الجناحان اللذان حلّق بهما عبدالناصر. هذا لا يعنى أنه كان يوافق على كل شىء، أو يقبل بالتطبيل. كان ينتقد ولا يخاف، وهو الوحيد الذى حذر من الإخوان ولقّبهم بـ«الذئاب».
وماذا عن وعده للفنانة ماجدة الرومى بعمل جزء ثان من أغنية «أحلف بسماها وبترابها»؟
- كان الأبنودى على يقين من أن ماجدة الرومى سترفض أى بديل عن الذى عزمت النية عليه، لذا أكد لها، ومن اللحظة الأولى، أن الأغنية حالة تُلقى عليه من السماء إذا ما أتت ستكون هديته لها، وهو ما لم يحدث.
تتحدثين عن وفاة الخال وكأنه لم يمضِ ثلاث سنوات على رحيله.
- كأنه مشهد سينمائى تجمّد فيه الزمن، أُلقى على كاهلى حمل كبير، وأصبح لزاماً علىّ أن أتسم بالقوة، وألا أضعف وأستسلم للحزن، لا يزال المشهد يمر أمام ذاكرتى. تدهورت حالته، جاءت آية ونور وجلستا معه فى العناية المركزة لحظات، وفى الثانية التى وضعتا فيها أقدامهما خارج الغرفة، ووصل مساعده محمود من الإسماعيلية، توقفت كل الأجهزة التى تقيس علامات الحياة. أسرع الأطباء إلى إعطائه صدمات كهربية جديدة، لكن أمر الله قد نفذ، وسبحان الله، لا أعرف كيف تحملت، أنزل الله علىّ سكينة وصبراً وقوة. أبلغت أقاربنا، واتصلت من هاتفه بمحبّيه من الإعلاميين. نحّيت حزنى جانباً وقلت لنفسى: «نهال ابنة الأبنودى المدللة رحلت»، ويجب أن أكون على قدر المسئولية. عقب انتهاء المراسم حدّثته فى خيالى. سألته عما إذا كان سعيداً بما فعلته، وكان الرئيس السيسى أول من هاتفنى وأخبرنى بأن القوات المسلحة ستقيم سرادقاً للأبنودى فى الإسماعيلية كما أوصى، ورفع عنى حملاً كبيراً.
كلمة أخيرة توجهينها للخال فى قبره.
- مصر اللى بتحب موّال النهار متونسة يا خال فى غيابك بأشعارك وكلامك، ومهما طال الطريق هنكمله.