الأسمدة والمبيدات الفاسدة.. تجارة مُحرمة باهظة الثمن تغزو أسواق «البحيرة»
الأسمدة منتهية الصلاحية المضبوطة بالبحيرة
«غذاء المصريين ملوث بـ300 نوع من المبيدات الحشرية المحظورة دولياً وتستخدم فى مصر»، عبارة حملت بوادر كارثة، جاءت على لسان أستاذ جامعى بكلية الزراعة فى دمنهور، على خلفية الجدل الثائر حول انتشار المخصبات والأسمدة الزراعية الفاسدة، فلم يكتفِ التجار باحتكار بعض الأسمدة وبيعها بأسعار أعلى من المقررة، بل حولوا كامل تجارتهم إلى المخصبات والمبيدات المحظورة ومنتهية الصلاحية، مستغلين أُمية العديد من الفلاحين وعدم اهتمامهم بقراءة البيانات المدونة على المنتجات، ليكون الفلاح وأرضه الضحية الأولى للجشع، والمستهلك هو الضحية الثانية لتلك التجارة المُحرمة.
«الوطن»، التقت العديد من الفلاحين الذين أكدوا أن 60% من أسباب ظاهرة تلف المحاصيل يرجع إلى المبيدات والمخصبات غير الصالحة للزراعة، فى الوقت الذى لم توفر فيه الجمعيات الزراعية أنواع المبيدات والمخصبات والسماد.. وقال حمدى الزناتى، نقيب الفلاحين بسيدى غازى، مركز كفر الدوار: «إن قرى أبيسات، التى تزرع آلاف الأفدنة من القمح، تراجعت إنتاجيتها هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، وأرجع الفلاحون البسطاء الخلل الذى حدث إلى كارثة السيول التى ضربت أراضيهم منذ عامين، وقالوا إن ما أصاب الأرض سببه غرقها بالمياه لفترة طويلة، إلا أن الفنيين والمتخصصين أثبتوا عكس ذلك، حيث أكد المهندس الزراعى محمد فوزى، بإدارة كفر الدوار الزراعية، أن المخصبات والأسمدة التى يستخدمها الفلاحون غير صالحة للزراعة، لأنها منتهية الصلاحية، فالأمر لا يتوقف على عدم فاعليتها فقط، بل تضر تلك المخصبات بالأرض وترفع نسبة ملوحتها.
أستاذ جامعى: غذاء المصريين ملوث بـ374 مبيداً حشرياً محظوراً منذ 20 عاماً
وأضاف «الزناتى» أن نسبة كبيرة من الأراضى مصابة بـ«التطبيل»، بمعنى أن بين قشرة الأرض وقاعها فراغ، يحتاج إلى معالجة شهرية عن طريق الحرث والتقليب، وأن ما أصابها نتيجة لسماد تالف قد يتسبب فى بوار الأرض على المدى البعيد، وهو ما أكده المتخصصون فى الزراعة، مشيراً إلى أن الفلاح لم يتعمد شراء منتجات فاسدة، لأنه لن يؤذى أرضه، بل يستغل التجار أُمية بعضهم ويبيعون لهم منتجات منتهية الصلاحية، أما التجار الكبار فقد ابتكروا طريقة أخرى، وهى إعادة طباعة تاريخ الصلاحية على الشيكارة أو الأدوية، بحيث لا يلاحظها أحد، وهو ما تقاومه الإدارات الزراعية ومباحث التموين.
الدكتور محمد عبادى، أستاذ بكلية الزراعة بدمنهور، وأمين عام نقابة الفلاحين الزراعيين، يقول لـ«الوطن»: «لا شك أن تداول المبيدات غير الصالحة والمحظورة ظاهرة موجودة بالفعل فى الأسواق، ويعود ذلك إلى تضارب وإهمال سياسات وزارة الزراعة بشأن تداول وصناعة وتوزيع المبيدات، حيث لا توجد معايير واضحة بحظر استخدام المبيدات طبقاً للمواصفات التى توصى بها منظمات الفاو والصحة العالمية، فتصريحات المسئولين تؤكد أنها سوف تقوم بحظر استخدام المبيدات المحظورة بأسواق الاتحاد الأوروبى وأمريكا، دون أن تحدد معايير هذا الحظر، وهو ما نتج عنه تناول المواطنين خلال العشرين سنة الماضية غذاءً غير صحى، لاحتوائه على 374 مبيداً محظوراً دولياً».
نقيب «فلاحى سيدى غازى»: التجار يستغلون أُمية الفلاحين لبيع المخصبات منتهية الصلاحية
وأضاف: «أذكر قرار المهندس أحمد الليثى، وزير الزراعة الأسبق، فى عام 2005، الذى منع استخدام هذه المبيدات، والتشديد على ملاحقة كل من يتاجر فى الأسمدة والمخصبات الفاسدة، وعلى الرغم من حظر استخدام هذه المبيدات، فإن استهلاكنا من المبيدات قد زاد من 12 ألف طن سنوياً، إلى 23 ألف طن، رغم حملات وقف استخدام المبيدات المغشوشة ومنتهية الصلاحية فى عملية الزراعة».
ولفت إلى أن غياب دور الدولة فى الرقابة والإشراف أدى إلى تزايد تجارة المبيدات المغشوشة ومنتهية الصلاحية والمحظورة فى الأسواق، كما أن سياسات السوق الحرة والاتجار بصحة وحياة المواطنين، أدت إلى احتكار 9 شركات سوق وتجارة المبيدات فى مصر، وساعد ذلك على تفشى الفساد والغش وارتفاع أسعارها وارتفاع نسبة استهلاكها، حيث تستهلك مصر وحدها من المبيدات أكثر مما تستهلكه منطقة الشرق الأوسط بالكامل، دون مبرر مفهوم باستغلال جهل الفلاحين بهذه المواد الكيماوية ومخاطرها، الأمر الذى يزيد حجم الاستيراد الذى لا يقل حتى الآن عن 12 مليار جنيه سنوياً، وفى ظل وضع مأساوى للمزارعين وإهمال حكومى فيما يخص الإرشاد الزراعى والنقابات الخاصة بالفلاحين والجمعيات التعاونية، أصبح الفلاح مضطراً لقبول الاستخدام غير الرشيد لأى نوع من المبيدات بصرف النظر عن كميتها أو درجة سلامتها وأمانها.
من جانبه قال الدكتور طلعت حجاج، وكيل وزارة الزراعة بالبحيرة، إن المديرية شكلت لجاناً متخصصة للتفتيش على المحلات غير المرخصة، التى تبيع المبيدات والأسمدة منتهية الصلاحية والمحظورة، بالتنسيق مع مباحث التموين وشرطة المسطحات المائية، وآخر حملة نفذتها أسفرت عن ضبط أكبر كمية مبيدات ومخصبات زراعية منتهية الصلاحية، بإحدى شركات الأسمدة الزراعية بمركز بدر، قدرت بـ77 طناً، بواقع 1925 شيكارة كبريت زراعى زنة 40 كجم، وتبين للحملة التلاعب فى تاريخ الصلاحية باليد ومحاولة تعديله لترويج المنتج على أنه صالح للاستخدام، وتم نقل المضبوطات والتحفظ عليها وتوجيه اتهام لمالك الشركة بمخالفة القانون 281 لسنة 94 للغش والتدليس والتلاعب فى الصلاحية.