محمد حسن عامر يكتب: علمتنا يعنى إيه تميز
محمد حسن عامر
لا أزال أذكر تلك الليلة، كانت ليلة الثالث عشر من ديسمبر 2012، كنت أزاول عملى بأحد محلات الفطير والبيتزا وأنا أعقد الآمال أن تكون هذه الليلة هى ليلتى الأخيرة فى عملى -مع كامل تقديرى لمن يعمل- هذا الذى لم أجد غيره بعد تخرجى من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 2010، صباح تلك الليلة سأتوجه إلى «الوطن» لإجراء مقابلة للعمل صحفياً بقسم الشئون الخارجية فى الجريدة، هو القسم الذى رأيت أنه الأقرب لى كدارس للعلوم السياسية. أنهيت عملى فى محل الفطير كالمعتاد فى الثامنة صباحاً، والذى أبدأه فى الثامنة مساء فى حلوان، ودون راحة بعد سهر، توجهت إلى مقر الجريدة بالدقى، حيث التقيت الأستاذ سيد جبيل الذى كان وقتها يشرف على قسم الشئون الخارجية والترجمة، وبحمد من الله اقتنع بى وترك لى الفرصة كى أعمل وأتعلم فى ظل امتلاكى معلومات لا تذكر فى مجال العمل الصحفى، اكتفيت معه بأعمال الترجمة، وللأمانة كان رجلاً خلوقاً رحيماً بى، هادئ الطباع، تحمل أخطائى وأسئلتى الكثيرة، لا يكل ولا يمل، ينصح ويوجه ويعلم، كان هذا فى فترة لا تزيد على شهر، غادر بعدها الأستاذ سيد جبيل من رئاسة القسم، ثم أتت رئيسة القسم السابقة يسرا زهران.
«يسرا» تعلمت منها أهم وأول قاعدة فى العمل الصحفى حين قالت لى: «مفيش صحفى من غير مصادر»، سألتها محبطاً: «وأجيب المصادر إزاى؟»، فأجابتنى: «حاول والمصدر بيجيب مصدر»، وبدأت أكوّن مصدراً تلو الآخر، حتى بت اليوم وبفضل من الله لدىّ قاعدة مصادر فى الشئون العربية والدولية كبيرة. فى «الوطن» رغم اختلاف من تولوا قيادة الجريدة، فإن هناك قواسم مشتركة وأركاناً ومبادئ أتصور أن كل من يعمل فى «الوطن» اكتسبها أو يتشربها مع الوقت، إننا جريدة وليدة مقارنة بأعمار الجرائد الأخرى، نريد أن نتربع على عرش الصحافة المصرية، بل وننافس إلى ما هو خارج الإطار المحلى لصاحبة الجلالة، نريد دوماً أن نكون فى الصدارة، نجتهد، نصيب ونخطئ، لكن نسعى دوماً لنكون الأكثر تميزاً فى وسط لا يعرف إلا التميز.
أتذكر أول انفراد صحفى قمت به حين حاورت العداء الليبى ناصر بويصير الذى نجا وقتها من تفجير ماراثون بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2014، وشعرت أنها نقطة انطلاق لى، وشعرت أنى بدأت أثبت قدمى فى العمل الصحفى، ثم توالت معى الانفرادات فى مايو 2014 حين انفردت «الوطن» بحوار مع القائد العسكرى الليبى خليفة حفتر فى بداية تحركه، وسلسلة حوارات كان أبرزها عام 2016 مع عزة إبراهيم الدورى، نائب الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، المطلوب رقم واحد لدى الحكومة الأمريكية والحكومة العراقية من المسئولين فى نظام البعث السابق. حوار «الدورى» كان بالنسبة لى نقطة التميز الأكبر خلال مسيرتى مع «الوطن» والتى تزامنت مع قدوم رئيس التحرير الحالى محمود مسلم الذى أشاد بى وبالحوار وكافأنى مادياً وكانت هذه هى المرة الأولى التى أتلقى فيها إشادة من رئيس التحرير فضلاً عن المكافأة المادية.
«مسلّم» يمكن وصفه بـ«المعلم» يعرف جيداً كيف يحفز طاقات الزملاء بالجريدة ويستنفرهم، يعرف كيف يستخدم أدوات الثواب والعقاب العادل بين الجميع، أخ أكبر «يقف فى ضهرك» فى أى موقف، يعرف من يعمل وماذا يعمل ومن لا يعمل ولماذا لا يعمل. حبى لـ«مسلم» يجعلنى دوماً حريصاً على التميز، ببساطة فى الأيام التى لا أقدم فيها عملاً متميزاً أشعر بخجل شديد منه حتى إننى أومئ برأسى أرضاً إذا رأيته، وإن لم يحدثنى فى شىء.
لا أزال أذكر يوم 13 ديسمبر 2012 اليوم الذى دخلت فيه الجريدة، لكنى لن أنسى أبداً حين كافأنى الله بجائزة النادى الإعلامى عن حوارى مع الداعية التركى فتح الله جولن، الذى صادف إعلان حصولى عليها يوم 12 ديسمبر 2017 أى فى تمام عامى الخامس مع «الوطن»، جائزة أرى أنها نتاج شعار عملنا جميعاً تحته هو «الوطن قوته فى ناسه».