العدالة البطيئة.. «فقر» الإمكانيات يخنق حلم المواطنين بالعدالة
العدالة
«العدالة».. هذه الكلمة التى قد لا تعنى لأى مواطن غير معنى إنسانى عام، تتحول فوراً إلى أغلى أحلام الإنسان عندما يجد نفسه فجأة ماثلاً أمام النيابة العامة أو المحاكم بدرجاتها، كطرف فى خصومة مع إنسان آخر أو مع الحكومة ذاتها، هنا تصبح «العدالة» منظومة متشابكة ومعقدة من الإجراءات والأوراق والمشاوير المرهقة والانتظار الممل فى مبانٍ متهالكة وقاعات مكتظة بالبشر المتخاصمين.. وتكتمل عذابات المتقاضين عندما يفاجأون بأنهم مطالبون بتقديم مستندات تثبت صحة موقفهم، أو تنفى ادعاءات خصومهم.. وتتعقد الأمور أكثر عندما تحتاج هيئة المحكمة إلى رأى استشارى أو خبير فى القضية قبل أن تفصل فيها، ثم تتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق مع تفنن المحامين فى استنفاد الوقت والصبر، واعتصار مواد قانون الإجراءات حتى آخر قطرة حياة فى أعمار ملايين المتقاضين.
وتتجسد الكارثة كأبشع ما تكون فى قصور فادح فى أعداد القضاة سواء فى المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف أو القضاء الإدارى، ورغم غياب المعلومات الدقيقة، فإن أعداد القضاة لا تزيد على 10 آلاف قاضٍ، مطالَبين بالفصل فى نحو 60 مليون قضية سنوياً.. كما تتجسد صعوبة تحقيق العدالة الناجزة فى عدم وجود أبنية لائقة وكافية، فالزحام فى أبنية المحاكم وأمامها لم يعد سمة أساسية تخص المواطنين، ولكنه امتد إلى أماكن عمل القضاة والجهات المعاونة لهم.. فقد ضاقت عليهم أبنية العدالة، وتكدست مخازنها وأسطحها وممراتها بأكداس وأكوام من أوراق القضايا التى يستحيل حصرها أو حفظها من التلف والتآكل والاحتراق أحياناً.
فى هذا الملف، الذى أعدته «الوطن» عن محاور العدالة البطيئة فى مصر، يتحدث قضاة كبار وخبراء قانون ومحامون وأعضاء برلمانيون عن تشخيص حالة العدالة.. وكل منهم يشير إلى خلل رهيب يكفى وحده لكى يضع أيدينا على قلوبنا، ولكى نتأكد أن العدالة ليست فقط هى كفاءة القاضى أو نزاهته، ولكنها قبل ذلك وبعده منظومة متكاملة تبدأ أولاً من توفير أماكن لائقة بالقضاة ومحاكم تستوعب ملايين المتقاضين، وجهات معاونة كافية - كماً وكيفاً- لمعاونة القضاة فى إنجاز عملهم.. ولكنك وأنت تطالع هذا الملف لن تستطيع أن تنسى أبداً ضحايا بطء العدالة، فهم أنا وأنت وكل مواطن فى هذا البلد، كلنا معرضون فى أى لحظة لهذا العذاب الرهيب: عذاب الانتظار لسنوات وربما لعقود لكى نسترد حقاً ضائعاً، أو نحصل على تعويض نستحقه، أو نقتص بالقانون وبأحكام القضاء الناجز من مجرم عاث فى الأرض فساداً ويعيش آمناً بيننا، بفضل هذا التكدس الرهيب للقضايا، وهذا الفقر المدقع فى إمكانيات تحقيق «العدالة».