4 لا يدخلون «جنة» التعليم الخاص
التعليم الخاص
صدّق أول لا تصدق! فى مصر، أطفال محرومون من دخول «جنة التعليم الخاص»، لأسباب طبقية واجتماعية، بسبب ما يراه البعض «ذنوباً اقترفها آباء وأمهات هؤلاء التلاميذ»، الذنب الأول تهمة طلاق الوالدين، والذنب الثانى أن يكون الطفل ابناً لأبوين «تعليم متوسط»، والذنب الثالث أن يسوقه القدر لأسوأ من ذلك، فيسكن أبواه فى منطقة شعبية بعيدة عن مسكن «الناس اللى فوق»، أما الذنب الرابع فهو أن تكون أم الطفل «منتقبة»، وفى كل هذه الحالات، لا يمكن للتلميذ تخطّى عتبة أى مدرسة «راقية»، فقط كل ما يستطيع فعله أن يقابل موظف الأمن، فيسأله عن إمكانية التقديم، فيأتيه الرد الصادم: «ما تتعبش نفسك».
1) الأم منتقبة
المسئولون: «عفواً.. ممنوع قبول الإرهابيين»
فى تعريف الحرية الشخصية، جاء الملبس على رأس بنودها، بأن لكلٍّ الحق فى اختيار اللباس الذى يناسبه، والطريقة التى يرغب فى الظهور عليها، ويتعين على المحيطين به أن يتقبلوه ويتعاملوا معه بقدره، طالما أنه لا يصيبهم بأذى نفسى أو معنوى، وفى قاموس بعض المدارس الخاصة، اختلف الأمر، وأُدرج النقاب ضمن قائمة المحظورات الطويلة، ولم ينتهِ الأمر دون تلقين إدارة المدرسة للمنتقبة درساً فى الوطنية، دون أن يخلو الأمر من وصفهم بالإرهابيين.
تقول سما محمد، بكالوريوس تربية، إنها قدمت لابنتها فى إحدى مدارس الإنترناشيونال الموجودة فى منطقة الدقى، من خلال موقع المدرسة على شبكة الإنترنت، وبعد مرور شهر ونصف، وصلها إيميل بقبول الطفلة، وحددوا لها موعد إجراء إنترفيو، شريطة حضور الأب والأم، وفى الموعد المحدد كانوا ينتظرون دورهم فى الاختبار، وبمجرد أن رأتها نائبة مديرة المدرسة وهى ترتدى النقاب، فاجأتها بقولها: «إيه ده، أنت منقبة، لا ما ينفعش خالص»، ثم طلبت سكرتيرتها الخاصة على التليفون، وبعد مرور بضع دقائق، أبلغتها السكرتيرة بأن الإنترفيو تم إلغاؤه، وأن إدارة المدرسة ستُحدد لهم موعداً آخر.
«سما»: مدرسة إنترناشيونال ألغت «الإنترفيو» بمجرد رؤيتى بالنقاب.. وطلبوا الأمن لطردنا
وتضيف «سما» أن زوجها، طبيب الأطفال، رفض الانصياع لحديث السكرتيرة، وأصرّ على مقابلة مديرة المدرسة، ليعرف سبب رفض اختبار ابنته، وعندما واجهها بما حدث، جاء ردها: «حضرتك إحنا ما بناخدش منتقبات، الأم المنتقبة مش بتربى طفل سوىّ، لأنها لو سوية ما كانتش غطت وشها بالطريقة المهينة دى»، وتستطرد «سما»: «انفعال زوجى أصابه بذبحة صدرية، وتوعّد المديرة بأنه سوف يوّصل الأمر للمسئولين، والحرية الشخصية التى تضمن لها خلع حجابها، تضمن لزوجته ارتداء النقاب»، فباغتته مديرة المدرسة بردها: «مطرح ما تحطّ راسك حط رِجليك، المدرسة دى مفيش إرهابيين هيدخلوها طول ما أنا عايشة»، ثم طلبت أمن المدرسة لطردنا.
الأمر تكرر مع أشرف سالم، تاجر أجهزة كهربائية بمنطقة وسط البلد، الذى أوكل زوجته بتحمّل مسئولية التقديم لأطفالها فى المدارس ومتابعة دروسهم وامتحاناتهم، نظراً لانشغاله المستمر بسلسلة محلاته، ودوام سفره إلى الصين وكوريا، لجلب شحنات أجهزة كهربائية وتوزيعها على تجار القطاعى، يقول «أشرف» إن زوجته قدمت لابنه فى مدرسة ناشيونال بحى المهندسين، موطن سكنهم، وتم قبوله نظراً لانطباق شروط المدرسة عليه، وتم تحديد موعد لإجراء الإنترفيو للطفل، واصطحبته ووالدته إلى مقر المدرسة، وهناك تم أخذه لغرفة منفرداً لاختباره، وجلست أنا وزوجتى مع مديرة المدرسة، التى أخبرتنا بأنه حتى ولو اجتاز الطفل الاختبارات، سوف يكون هناك أزمة فى قبوله، بسبب أن والدته منتقبة.
وأضافت: «هنبلغكم بنتيجة الاختبار فى رسالة على الإيميل»، وفى مساء نفس اليوم جاءتهم رسالة الرفض مدوناً فيها أن السبب عدم اجتياز الطفل للاختبارات.
ويقول تاجر الأجهزة الكهربائية إنه قام بالتقديم لابنه فى عدة مدارس، وحتى الآن لم يتم قبوله فى أى منها، لأسباب عديدة، وعندما عرض الأمر على أحد أصدقائه، نصحه بالتقديم فى المدارس الحكومية خشية فوات السنة على طفله، وهو ما ينتظر فعله بمجرد فتح باب التقديم فى المدارس الحكومية.
2) ضحايا الطلاق
الحجة: أطفالكم مرضى نفسيون يحتاجون للعلاج
«وصمة أبناء الطلاق»، كما يراها أصحاب ومسئولو المدارس الخاصة، هى السبب الأكبر لرفض تسلّم أوراق الطفل، الأمر الذى دفع العديد من أولياء الأمور والأمهات إلى التقدم بشكواهم للجهات المختصة فى وزارة التربية والتعليم ودواوين المحافظات، دون فائدة، فلم يعد أمامهم سوى الالتحاق بالمدارس الحكومية.
«سمعت كتير عن أن المدارس ما بتاخدش أبناء المطلّقين بس ما كنتش بصدّق لحد ما جربت بنفسى»، تقول نجلاء عياد، مهندسة ديكور، إنها ذهبت لتقديم أوراق ابنها فى مدرسة خاصة بمحافظة الإسكندرية، وجرت الأمور بشكل طبيعى من حيث تسلّمهم للأوراق المطلوبة، لحين سؤالهم عن والده، وتضيف: «عندما أخبرتهم أننى مُطلّقة، جاء ردهم بأنهم لا يقبلون أبناء المطلّقين».
وتتابع أنها شعرت بصدمة كبيرة من رد فعل المسئولين فى المدرسة، الأمر الذى دفعها للاستفسار عن السبب، فأخبروها بأن «نفسية الطفل بتبقى تعبانة ومش متوازنة وممكن يؤثر على أصدقائه فى الفصل»، حاولت الخروج من المأزق من خلال التأكيد على أن طفلها «متربّى»، وأن لديهم أخصائيين اجتماعيين بالمدرسة يستطيعون تقييمه والوقوف على حالته، فأغلقوا الباب فى وجهها بقولهم: «إحنا هناخده نعلمه ولّا نعالجه؟».
«نجلاء»: قالوا لى «ابنك عاوز يتعالج مش يتعلم».. ولم يتبق له إلا الحكومة
لم يعد أمام مهندسة الديكور بديل عن المدارس الحكومية، خشية ضياع السنة على طفلها، رغم اعتراضها على مستوى التعليم والتربية بها، وبالفعل تم قبوله بها، وتستطرد: «أبناء الطلاق ليسوا موصومين، وإن كان أصحاب المدارس الخاصة يرون عكس ذلك، فعلى الدولة إنشاء مدارس لأبناء الطلاق تلمّهم فيها بدل المرمطة اللى بنشوفها وإحنا بنقدم فى المدارس الخاصة».
دنيا المصرى، ربة منزل، تقول إنها قدمت لابنتها «نورسين» فى إحدى المدارس الخاصة بمصر الجديدة، وتم قبولها وتحديد موعد الإنترفيو، وبالفعل اجتازت الطفلة الاختبارات، وهاتفتها المدرسة لإحضار الأوراق المطلوبة ودفع المصاريف، وعندما اطّلعت سكرتيرة المدرسة على ملف الأوراق، تغيّر لون وجهها، وسألتها بعنف: «إيه ده، انت مطلّقة؟»، وعندما أجابتها بنعم، جاء ردها أكثر عنفاً: «لا يا حبيبتى، ما بناخدش ولاد المطلقة»، ثم قامت برمى ملف الأوراق أمامها على أطراف المكتب الذى تجلس عليه».
لم يصدر عن أم «نورسين» رد فعل تجاه الموظفة التى أهانتها، فقط انخرطت فى البكاء ولملمت أوراق طفلتها وانصرفت مُسرعة إلى منزلها، وقصّت ما حدث على والدتها، التى هاتفت مدير المدرسة وأخبرته بما حدث، فلم يكن منه غير أنه وعدها بالتحقيق فى الأمر وإعادة حق حفيدتها، لكن دون أن يحدث ذلك. وتضيف ولية الأمر أنها قدمت لطفلتها فى مدرسة أخرى بعدما تبدد أملها فى إلحاقها بالمدرسة التى كانت ترغب فيها، وحالياً تقوم بإنهاء أوراقها، بعدما أصبحت تشعر أنها «موصومة» فقط لأنها منفصلة عن زوجها، دون ذنب أو خطأ، لكن أصحاب المدارس الخاصة يرونها غير ذلك، ويصرّون على إهانة المطلّقات، ونعت أطفالهن بـ«ولاد المطلقة».
3) المناطق الشعبية
«المدارس الحكومية تليق بكم»
«حضرتك مش هينفع تقدم فى المدرسة، عشان انت مش ساكن فى المربع السكنى».. الجملة الأكثر شيوعاً لتبرير رفض قبول سكان المناطق الشعبية من مدارس «أولاد الذوات»، التى تنتشر فى أحياء الدقى والمهندسين والزمالك ومصر الجديدة، بدعوى أن وزارة التربية والتعليم حددت للمدرسة قبول أبناء أحياء سكنية بعينها، منعاً للزحام داخل الفصول من ناحية، وعدم وصول أوتوبيسات المدرسة إلى تلك الأحياء من ناحية أخرى. تقول ياسمين محمد، موظفة بوزارة الصحة، إنها ذهبت لتقديم ملف ابنها فى إحدى مدارس اللغات فى ميدان المساحة بالدقى، مجاورة لمحل عملها، وبمجرد أن رأت مديرة المدرسة أن محل سكنها فى منطقة الطالبية بالهرم، قامت بغلق الملف بطريقة وصفتها بـ«المهينة»، وألقته على المكتب، وطلبت منها الخروج قائلة: «ما بقاش غير بتوع الطالبية هيدخلوا مدارس الدقى»، الأمر الذى دعاها للاعتراض على طريقة تعاملها، والاحتداد عليها لفظياً، فما كان من المديرة إلا أن اتصلت بالأمن الإدارى الموجود على بوابة المدرسة، وطالبتهم برميها فى الشارع.
الأمر الذى دعاها لتقديم شكوى فى مديرية التربية والتعليم بمحافظة الجيزة، اتهمت فيها المديرة بسبها ورفض قبول أوراق طفلها للانضمام إلى المدرسة، وتابعت الشكوى، فجاءها الرد من المديرية بأن موقع سكنها خارج محيط المربع السكنى للمدرسة، وليس من حق ابنها دخول المدرسة.
مديرة مدرسة: «ما بقاش غير بتوع الطالبية يدخلوا مدارسنا»
تنقّله المستمر فى عمله داخل شركات العقارات دفعه لترك منزل الأسرة فى شبرا الخيمة، والعيش مع زوجته وطفلتيه فى شقة إيجار جديد بمدينة نصر، بعد عمله بإحدى شركات العقارات منذ ما يزيد على عام ونصف، ومع بلوغ ابنته سن الرابعة من عمرها، قرر تقديم ملف أوراقها فى إحدى المدارس الخاصة القريبة من «مكرم عبيد»، وبعد التقديم، جاءه اتصال هاتفى بتحديد موعد لتقديم ملف أوراق الطفل. يقول إسماعيل متولى: إن موظفة تلقّى الملفات رفضت تسلّم أوراق ابنته، وقالت له إنه غير مطابق لشروط القبول فى المدرسة، سألها عن السبب، فأجابته بأن أوتوبيسات المدرسة لا تصل إلى شبرا الخيمة، أخبرها بأنه يقيم فى «العمارة اللى قصادهم»، ولكن بطاقته وزوجته مدوّن بهما عنوان منزل العائلة الأصلى فى شبرا الخيمة، وبعد دقائق من الجدل، طلب «إسماعيل» مقابلة مديرة المدرسة، فسبقته إليها السكرتيرة، وبمجرد دخوله إلى مكتبها، باغتته بقولها: «فيه إيه يا أستاذ؟ بتاع شبرا الخيمة هيدخل عندنا فى مدينة نصر إزاى؟».
4) مؤهل الوالدين
التعليم المتوسط.. «الدبلوم مايربيش عالم»
أن يولد الطفل لأبوين «تعليم متوسط أو أقل»، ذلك كفيل بأن يبحث له والداه عن مدرسة «على قدّها»، لأن المدارس التى تصف نفسها بالـ«هاى كلاس»، لا تقبل سوى من أسعده حظه بوالدين «مؤهلات عليا وماجستير ودكتوراه»، حتى لو وفر له والداه مصروفات ومتطلبات تلك المدرسة، وفى كل مرة يجىء رد المدارس الخاصة بأنها حصلت على موافقة وزارة التربية والتعليم بعدم ضم أبناء التعليم المتوسط.
«أميمة»: المديرة قالت لى «بنتكم هتقعد جنب أولاد الدكاترة والظباط إزاى؟»
تقول أميمة عبدالقادر، ربة منزل، من سكان شارع العشرين بفيصل، إنها وزوجها ذهبا بابنتهما لإجراء «الإنترفيو» فى إحدى المدارس الخاصة بالمنطقة، بعدما حدّدت موعده إدارة المدرسة. وتضيف أن النظام المتبع فى المدرسة أن يتم اختبار الأبوين قبل الطفل، وبعد بضع ثوانٍ من بدء الإنترفيو، سألتهما مديرة المدرسة باستنكار: «هو انتوا دبلومات؟»، وعندما أجاباها بنعم، ردت عليهما: «طب شكراً شرفتونا، انتظروا النتيجة برة». وتتابع: «بمجرد خروجنا من مكتب المديرة، جاءتنا الموظفة وأخبرتنا بأننا غير لائقين بسبب صغر سن الطفلة». تؤكد «أميمة» أنها عنّفت الموظفة، وأكدت لها أن سن ابنتها مناسب للالتحاق بالمدرسة، والدليل على ذلك تحديد الإدارة موعداً لاختبارها بعد التقديم عبر شبكة الإنترنت، فردّت عليها الموظفة: «حضراتكم دبلومات تجارة، وطبيعى إننا مانقبلكوش، بنتكم هتقعد جنب اولاد الظباط والدكاترة والمهندسين.. إزاى يعنى؟».
الأمر نفسه تكرّر فى ثلاث مدارس، مما تسبب فى تراجعها وزوجها عن التقديم لأبنائهما فى مدارس خاصة مرة أخرى، وانتظار فتح باب التقديم للمدارس الحكومية، تقول: «والله أنا وجوزى مكسوفين نُبص فى وش البنت من الخجل، خصوصاً لما بتسألنا عن سبب إنها مش هتروح المدرسة السنة دى».
لم يختلف الحال لدى أحمد ميسور، مدير منطقة صيانة فى إحدى الشركات الخاصة، حيث تكرّر رفض ابنته بسبب مؤهله المتوسط هو وزوجته، عدة مرات، ورغم أن حجج الرفض تكون أحياناً بسبب السن، وأخرى بسبب اكتمال العدد، لكنه يعلم فى ما بعد أن سبب الرفض بسبب مستواه التعليمى، الأمر الذى دفعه للتساؤل: «لما الدولة مش معترفة بالدبلومات الصناعية والتجارية سايبينها ليه، ما يقفلوها».