البواب" أو "حارس العقار"، هكذا اصطلح على تسميته، وهو الشخص الذي تتلخص مهنته في حماية العقار من تطفل الدخلاء، وحراسة سيارات السكان، وأحيانا جمع القمامة، وتنظيف السُلم، وقد تمتد الأعمال إلى الخدمة داخل الشقق نفسها.
مهنة "البواب" لا تعرفها بعض الشعوب، وهي في مصر، بشكلها الحالي، أقرب إلى العبودية في بعض الأحيان، التي تحظرها المادة 89 من الدستور المصري، فـ"البواب" يعاني عادة ظروفا معيشية سيئة، يسكن غرفة ضيقة لا تكاد تكفيه وأسرته، مقتطعة من مدخل العقار، أو في "بير السلم"، أو "المنْوَر"، تهوية سيئة، وإضاءة أسوأ، يعتبره كل ساكن خادما شخصية له، مطلوب منه أن يعمل في أي معاد، وكل معاد، فهو بلا مواعيد انصراف وحضور، بخلاف أي عامل في الدولة، محل إقامته وأسرته هو نفسه محل عمله، مما يرتب عليه مغادرة الإقامة في حال ترك العمل.
وتنص المادة 27 من الدستور المصري، على "التزام النظام الاقتصادي اجتماعيا بضمان تكافؤ الفرص، وتقليل الفوارق بين الدخول، والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة"، وهو ما لا يتحقق في حالة "البواب"، كما أن المادة 78 من نفس الدستور تنص على "كفالة الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية"، وهو ما لا يتحقق أيضا في ظروف حياة "البواب" ومعيشته، الذي لا يتمتع بحد أدنى من الأجر، ولا يحصل أبناؤه عادة على الخدمات التعليمية الأساسية، ناهيك عن عملهم في خدمة السكان أيضا.وعادة ما يكون "البواب" فلاحا معدما أو شبه معدم، غادر الريف، حيث الأجور الهزيلة، والخدمات والمرافق القليلة، بحثا عن فرصة عمل أفضل في المدينة، فيلجأ إلى الاشتغال بتلك المهنة ليتمتع بسكن، ومياه شرب، وكهرباء، مجانا، لتمثل تلك المرحلة نقطة انطلاقه في دروب المدينة، بين العمل في البناء والتشييد لمن يتمتع ببنية جسدية قوية، أو "السمسرة" لمن هو أكثر براعة في البحث والتشبيك والإقناع، ليتحول الفلاح الفقير إلى "البيه البواب" الذي جسده العبقري الراحل أحمد زكي.
وبين هذا وذلك نموذج آخر، هو "البواب" الذي يظل فقيرا مقهورا؛ لأنه لا يُحسن استغلال الموقف أو تنمية موارده، ويوجد "البواب البلطجي"، الذي يضرب بالسكان عرض الحائط، ويُقصِّر في عمله إهمالا أو عنادا بدعوى "على أد فلوسهم"، أو في إطار "اختبار القوة"؛ لعله يخرج بأقل الالتزامات الممكنة، وليتصدى بطريقة أخرى لمحاولات بعضهم في "استرقاقه" إن صح التعبير!وعلى هامش مهنة "البواب" نشأت وظيفة "موظف الأمن" وخاصة في العقارات الكبيرة التي يصعب فيها على "البواب" بمفرده أداء كل هذه الأعمال، أو في الأحياء الارستقراطية التي تعني الوجاهة الاجتماعية سكانها، وهؤلاء المساكين من "موظفي الأمن" يتقاضون من شركاتهم "ملاليم" لا تكاد تكفي احتياجاتهم الأساسية، مما يضطرهم إلى العمل في قضاء احتياجات السكان كسبيل لزيادة الدخل، فيتحول كل منهم إلى "بواب" ولكن بقميص أرزق وبنطلون بدلا من الجلباب!
ولكن دعنا نسأل ما هو السبب وراء ظاهرة "البواب" في الأساس؟ وكيف يمكن علاج المشكلة؟
أولا، وكما ذكرنا من قبل، ضعف الخدمات والمرافق والأجور في موطنه الأصلي، وهو ريف الدلتا والصعيد، وبالتالي فإن أحد مقومات الحلول هو الارتقاء بالريف المصري معيشيا واقتصاديا.
ثانيا، حركة الهجرة السكانية، واستجلاب الأقارب والعائلات لبعضهم البعض، وهو ما يحتاج إلى دراسات علمية دقيقة لتوصيف وتحليل الظاهرة، وبحث تداعياتها، وكيفية تحويلها من عبء إلى قيمة مضافة، بتحويل اتجاهات الهجرة إلى المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة مثلا لإعمارها، بدلا من زيادة التكدس في المدن القديمة.
ثالثا، ثقافة "الطبقية" المترسخة في وجدان المصريين منذ قديم الأزل، منذ قال فرعون "أنا ربكم الأعلى"، إلى يومنا هذا، وهو ما يحتاج إلى سنوات وسنوات من العمل الجاد، تعليميا ودعويا وإعلاميا وثقافيا، لتقليل حدته على الأقل، إن لم نتمكن من القضاء عليه نهائيا.
رابعا، "قانون عمل البوابين"، فبالرغم من أن الدستور أيضا يؤكد في مادته 53 أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم"، فإنه لا يوجد قانون عمل ينظم علاقة تلك الفئة بمرؤوسيها، ويحولها من علاقة "عطف وإحسان" أو "مكر وصراع" إلى حقوق وواجبات، يتم تقديرها ماديا بمبلغ يرتبط بالمهام الوظيفية المطلوبة بالتحديدJob Description، وعدد ساعات العمل، والجهد المبذول، مع علاوة ترتبط بمعدلات التضخم وارتفاع الأسعار، ومكافأة لنهاية الخدمة ببلوغ سن الستين مثلا أو العجز الكلي أو الوفاة، تتحدد وفقا لعدد سنوات العمل، ويحدد القانون أيضا إمكانية العمل خارج العقار من عدمها، ويوم الإجازة الأسبوعية، والجزاءات المقررة في حال التقصير، وكذلك آلية حصول "البواب" على حقوقه المالية في حال قصّر السكان في أدائها.
لذا فإن تلك الفئة في حاجة إلى قانون يجعل كل هذه الأمور حقا قانونيا واجبا، لا تقديرا شخصيا للسكان وكرمهم من ناحية، أو تعسفهم من ناحية أخرى، هذا باعتبارهم "مواطنين مصريين" يحميهم الدستور، وتشملهم حقوق الإنسان، وتعرفهم صناديق الانتخابات!