«صفقات الأبواب الخلفية» تدفع «ترامب» إلى مهادنة «الدوحة»
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
رغم انحياز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشكل واضح إلى دول المقاطعة العربية لـ«الدوحة» فى بداية الأزمة مع قطر، إلا أن الواقع يبدو أنه يتغير رويداً رويداً، فبعد أن اتهم الرئيس الأمريكى «الدوحة» بشكل مباشر بدعم الإرهاب، وطالبها بالاستجابة للمطالب العربية، بات واضحاً أن «المصالح» التى يسعى إليها «ترامب» غلبت على اهتمامه بالقضية ودعوته قطر إلى التخلى عن دعمها للإرهاب، وهو ما كشفت عنه صحيفة «جارديان» البريطانية، التى أكدت وجود دعوى قضائية مرفوعة ضد الرئيس الأمريكى بشأن علاقته مع قطر. ونشرت الصحيفة البريطانية تقريراً يتضمّن معلومات جديدة حول الدعوى القضائية التى تتّهمه بشمل مباشر بـ«إبرام صفقات من خارج نطاق البيت الأبيض مع قطر».
مؤسسة أمريكية تقاضى الرئيس الأمريكى بعد شراء بعثة قطر فى الأمم المتحدة 4 شقق فى برجه بـ«نيويورك»
الدعوى، التى تقدّمت بها مؤسسة «مواطنو المسئولية والأخلاق فى واشنطن»، أكدت أن بعثة قطر فى الأمم المتحدة اشترت شقة رابعة فى برج «ترامب» بمدينة نيويورك. وأوضحت الصحيفة تفاصيل ما سمته بـ«صفقات الأبواب الخلفية» وهى أن تلك الشقة تم شراؤها فى 17 يناير 2018، بمبلغ 6.5 مليون دولار، ليرتفع عدد الشقق التى تمتلكها البعثة فى البرج إلى 4 شقق، بإجمالى مبلغ يصل إلى 16.5 مليون دولار. وتطالب تلك الدعوى بمنع الرئيس الأمريكى من الاستفادة بمثل تلك الصفقات، التى تنتهك بند الأجور فى الدستور الأمريكى، الذى يحظر على الرئيس إبرام أى صفقات خارجية يحصل منها على أموال قد تؤثر على السياسات الخاصة بالولايات المتحدة أو تتعارض معها.
الصحيفة البريطانية قالت إن تلك الصفقة تزامنت مع حملة ضغط مكثفة كانت تتبعها الحكومة القطرية وسط أزمتها مع دول المقاطعة «السعودية والإمارات والبحرين ومصر»، فى ظل سعى «الدوحة» إلى تغيير توجّه «ترامب» المؤيّد لموقف دول المقاطعة. وقال الناطق الرسمى للمؤسسة الأمريكية التى رفعت الدعوى القضائية جوردن ليبويتز: «مصدر القلق الكبير هو أن ترامب يرفض التجرّد من ممتلكاته، وهو ما يجعله عُرضة للتأثير عليه من قِبَل دول أجنبية مستثمرة فى أعماله». وأشار تقرير «جارديان» إلى أن بعثة قطر فى الأمم المتحدة ردّت على تلك التقارير والدعاوى، فى رسالة بريد إلكترونى وصفتها بأنها «غير مسندة»، قائلة: «تلك الشقق تُستخدم لإيواء الموظفين الدبلوماسيين القريبين من مقر الأمم المتحدة.. هذه الشقق، بالإضافة إلى الوحدة الأخيرة، تم شراؤها جميعاً بسبب موقعها، لا شىء أكثر من ذلك». وقالت الصحيفة البريطانية إن «مؤسسة ترامب رفضت التعليق على تلك التقارير أو الدعاوى القضائية». وأوضحت أن تلك الشقة مكونة من 3 غرف نوم، بالإضافة إلى أنه مرفق بها وحدات رفاهية «نادٍ صحى وجاكوزى، وحمامات سباحة، وبعض التجهيزات الأخرى».
السفير الأمريكى السابق لدى السعودية والباحث بمعهد «الشرق الأوسط» فى واشنطن جيرالد فييرشتاين، أكد أن «قطر تنفق الكثير من الأموال، فى محاولة للتأثير على شكل النقاش والتعاطى مع القضية فى واشنطن. والطريقة التى تتنافس فيها قطر مع دول المقاطعة تسمح بدخول الكثير من جماعات الضغط فى واشنطن على الخط، لتحقيق مكاسب أكبر عن طريق شراء منازل، وما إلى ذلك من أمور».
ويواجه «ترامب» أكثر من دعوى قضائية أخرى، متعلقة بخلطه أعماله التجارية فى أنشطة البيت الأبيض، حيث رفع فى وقت سابق المدعى العام فى ولاية «ماريلاند» ومقاطعة كولومبيا دعوى منفصلة متعلقة بحدوث مخالفات فى بند الأجور بالدستور الأمريكى المتعلق بصلاحيات الرئيس، وركزت على إنفاق مسئولين أجانب أموالاً طائلة فى فندق «ترامب» بالعاصمة «واشنطن».
«كوك»: تغيير النغمة الأمريكية تجاه «الدوحة» دليل على قرار الرئيس الأمريكى بالانسحاب من «النووى»
من جانبه، قال المحلل السياسى الأمريكى ستيفين كوك، فى مقال نشرته مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية: إن «الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يحاول التدخّل فى الأزمة الخليجية، لكن بدلاً من اتهام قطر بدعم الإرهاب، كما فعل من قبل فى يونيو الماضى، أرسل وزير خارجيته مايك بومبيو إلى الشرق الأوسط، وقال «بومبيو» لوزير الخارجية السعودى عادل الجبير إنه يجب إيجاد حل للمشكلة مع القطريين، وإنه يكفى الوصول إلى تلك المرحلة». وتابع «كوك» أن إدارة «ترامب» أدركت أن خلافاتها مع إيران وصلت إلى ذروتها، ويبدو أن «واشنطن» ترغب فى وجود مجلس التعاون الخليجى ككيان موحّد إلى جانبها فى مواجهة النفوذ الإيرانى، ومن شبه المؤكد أن تغيير نغمة «ترامب» بالنسبة إلى قطر يعنى أنه اتّخذ قراره بإفشال الاتفاق النووى الإيرانى فى الأسابيع المقبلة.
«كوك» أكد أنه خلال المقاطعة العربية لـ«الدوحة» أنفق القطريون ببذخ لإقناع صناع السياسة وأعضاء «الكونجرس» ومراكز الأبحاث فى واشنطن وجيوش من جماعات الضغط والاستشاريين الذين لم يكن لهم تأثير كبير لصالح عملائهم، لكن الإجماع العام فى «واشنطن» لم يتغيّر إلى حد كبير منذ 11 شهراً، وهو أنه «لا أحد من الحلفاء فى الشرق الأوسط مثاليون، والقطريون ليسوا بالتأكيد ملائكة، لكن لديهم علاقات مفيدة وفريدة من نوعها، ووجود القاعدة الجوية الأمريكية فى قطر هو أمر مهم للغاية بالنسبة لنا». وتابع «كوك» أن النزاع كانت له القدرة على الانتشار إلى ما وراء منطقة الخليج، وهذا يشمل جميع اللاعبين الرئيسيين، الذين لهم نشاط فى البحر الأحمر، بالإضافة إلى تركيا، حيث قام القطريون والأتراك مؤخراً بتحديث علاقاتهم العسكرية مع السودان، مما أثار قلق المصريين، وزاد من المخاطر فى النزاعات المستمرة بين مصر والسودان وإثيوبيا حول توزيع مياه النيل والقضايا الإقليمية الأخرى، كما أن هناك ظلالاً على الصراع فى كل من ليبيا وتونس، حيث دعمت قطر ودول أخرى الأطراف المعارضة فى النزاعات الإقليمية.