«بديوى» لـ«الوطن»: وثّقت معركة الشرطة بالإسماعيلية وهجوم الإنجليز على القسم بالدبابات فى 25 يناير 1952
بديوى
قبل 67 عاماً خرج الطالب فى الصف الأول الثانوى «محمود بديوى» والغضب يملأ عينيه، متجهاً هو ورفاقه من مدرسته إلى «النافى»، وهو عبارة عن مول تجارى كبير أقامته السلطات الإنجليزية لتوفير الاحتياجات الأساسية للجاليات الأجنبية فى قلب مدينة الإسماعيلية، بعدما خرج النحاس باشا رئيس الحكومة، معلناً إلغاء معاهدة 1936، اقترب الشاب من موقع «النافى»، لا يملك فى يده سوى كاميرا «35 مللى» صغيرة، موثقاً أحداث الحرق من قبل أهالى الإسماعيلية تضامناً مع «النحاس»، لتشهد هذه الصور على مولد مصور استطاع بكاميرته تسجيل أعظم الأحداث التاريخية التى مرت بها المدينة، وعلى رأسها معركة الشرطة ضد الإنجليز يوم 25 يناير 1952.. «الوطن» التقت بالمصور فى مسقط رأسه وأجرت معه هذا الحوار:
مأمور قسم البستان رفض إنذار «أكسهام» بتسليم السلاح.. و«فؤاد» طالب الضباط بالصمود حتى آخر رصاصة.. وصلاح ذو الفقار كان بينهم
ما الذى دفعك وأنت شاب فى «الثانوية» إلى الانضمام لمظاهرات حرق «النافى»؟
- أنا طلعت لقيت والدى رئيس حزب الوفد فى الإسماعيلية، وكان طبيب مديرية الصحة، «وجدى» كان ناظر السكة الحديد، والبيت طول الوقت كان ضد الاحتلال الإنجليزى، أنا لسه فاكر جملة النحاس باشا لما قرر يلغى معاهدة 1936، وقال: «قد وقعت هذه الاتفاقية من أجل مصر واليوم ألغى هذه الاتفاقية من أجل مصر»، والمصريون كان عندهم حس وطنى عال وقتها، كنت ساعتها موجوداً فى المدرسة، جمعت زملائى وقررنا ننضم إلى المظاهرات وتوجهنا لـ«النافى» باعتباره الكيان وقتها الممثل للقوات البريطانية، وكان عبارة عن سوق تجارى كبير جداً موجود فيه كل المنتجات من أول علب الكبريت وحتى الساعات الرولكس، وكان بيع المنتجات مقصوراً فقط على الجاليات الأجنبية.
عندما وصلت إلى «النافى».. كيف كان المشهد وقتها؟
- أول حاجة حصلت القوات الإنجليزية سارعت بإجلاء العائلات الموجودة داخل النافى من الباب الخلفى، وكان الهدف هو حرق العلم الإنجليزى ووضع علم مصرى بدلاً منه كنوع من أنواع التعبير عن دعمنا لقرار إلغاء المعاهدة، ولما المتظاهرين حرقوا العلم، كنا بندور ساعتها على علم مصرى، وكان الحل إنى جريت باتجاه المدارس الموجودة فى شارع الشريف كان فيه مدرستين، الشريف ومدرسة النجاح، وهناك قابلت مدير المدرسة وسألنى محتاج إيه قلت له العلم قالى نزله من على المدرسة وبالفعل خدته.
المصور الشهير: حكموا علىَّ بـ«الإعدام» لرفضى تسليمهم الصور.. وتم تخفيفه بـ«الطرد» من المدينة.. وعدت بعد 6 أشهر.. وعينت فى «الأهرام» بـ«12 جنيه»
ماذا حدث بعد حصولك على العلم من المدرسة؟
- رفعنا العلم المصرى على النافى، وبدأت أصور الأحداث، وطبعاً فيه ناس مخربين كتير استغلوا أحداث التظاهر وحريق النافى، وسرقوا المنتجات الخاصة بالسوق التجارى، وكانت فيه ناس بتحاول تمنعهم، وطبعاً أنا صورت كل أحداث الحريق.
أصبحت مصوراً لـ«السادات» بعد تصوير استقبال المصريين له إثر عودته من «كامب ديفيد».. وكنا نشترى له الأفلام من الخارج وصورة الـ«البايب» الأقرب إلىَّ
كيف استفدت من الصور التى التقطتها؟
- بمجرد الانتهاء من تصوير الأحداث غيرت الفيلم الخاص بالكاميرا بآخر جديد، وتوجهت مسرعاً إلى اليوزباشى حسن طلعت، كان وقتها رئيس مباحث، وهو بدوره أخد الفيلم وسافر به إلى القاهرة، وقام بتسليمه إلى فؤاد سراج الدين وزير الداخلية وقتها، وتوجهت بعدها إلى استوديو التصوير الخاص بأخى، وبمجرد وصولى بلحظات وجدت شخصاً يدعى «الكينج صبرى» وهو مصرى كانت القوات البريطانية تستعين به فى الترجمة، وكان يرتدى ملابسهم وبصحبته مجموعة من الضباط يسألون عن الفيلم، ووقتها نفيت قيامى بالتصوير لكنهم قاموا بإلقاء القبض علىَّ واقتيادى إلى معسكر الجلاء الخاص بالقوات البريطانية للتحقيق معى.
كم من الوقت استمر التحقيق معك؟
- استمر التحقيق معى أسبوعاً كاملاً، سألونى خلالها عن الفيلم، وأنا كان ردى «معرفش»، وكان «الكينج صبرى» قال لهم فى التحقيقات إنه شاهدنى بعد انتهاء الحريق متجهاً لمكتب الضابط المصرى حسن طلعت وأنى سلمته الفيلم، وأنا طبعاً كنت بنكر، حاولوا خلال التحقيق يجندونى وعرضوا علىَّ السفر لتكميل تعليمى فى لندن، وعندما علموا بأننى لن أستجيب لهم قاموا بإصدار حكم ضدى بالإعدام.
كيف استقبلت هذا الحكم؟
- كنت وقتها شاباً وغير مستوعب سبب الحكم إلى أن قام مسئول الاتصالات بين الجانب المصرى والبريطانى بالتدخل فى قضيتى، وانتهى الأمر إلى تخفيف الحكم من الإعدام إلى طردى خارج الإسماعيلية، وبالفعل ركبت عربية نقل كبيرة، وتوجهت للقاهرة وكان معى 137 قرشاً، حتى أخبارى انقطعت عن أهلى.
عندما توجهت للقاهرة.. ما الذى كان يدور فى عقلك؟
- أول ما نزلت القاهرة رحت قابلت وزير الداخلية فؤاد سراج الدين، وبعد كده زرت واحد صديقى فى الأهرام، وعرفنى وقتها على رئيس قسم التصوير، وكان اسمه يوسف حيالى، وكان لبنانى الجنسية، أول ما قابلنى شكرنى على صورى لأنى كنت بصور للأهرام صوراً للإنجليز فى الإسماعيلية، وسألنى عن نوع الكاميرا قلت له «35 مللى»، والأهرام كانت بتصور وقتها بالكاميرا العدستين «6x6»، وطلب منى أتعلم على الكاميرات الخاصة بالأهرام، وقالى إنه هيحتضنى لمدة أسبوع، وربنا وفقنى وتم تعيينى فى الأهرام مقابل 12 جنيهاً فى الشهر، وكان وقتها مرتباً كبيراً جداً.
«بديوى» لـ«الوطن»: وثّقت معركة الشرطة بالإسماعيلية وهجوم الإنجليز على القسم بالدبابات فى 25 يناير 1952
كيف استطعت العودة مرة أخرى إلى الإسماعيلية وقمت بتوثيق معركة الشرطة 25 يناير 1952؟
- أنا خرجت من الإسماعيلية فى مارس 1951 ورجعت فى ديسمبر 1951، وأحداث معركة الشرطة كانت فى يناير 1952.
ماذا حدث تحديداً فى معركة الشرطة وما تداعيات الحدث بصفتك شاهد عيان عليه؟
- الأحداث بدأت لما الإنجليز اكتشفوا أن جندياً بينهم مفقود، وبعد عمليات البحث عثروا على جثته فى الترعة المواجهة لقسم البستان «مديرية الأمن بالإسماعيلية» حالياً، طبعاً اشتبهوا فى قوات الشرطة المصرية لأنها المكان الوحيد الذى يمتلك سلاحاً فى الإسماعيلية، وساعتها أرسل القائد البريطانى بمنطقة القناة «أكسهام» للضابط المصرى مصطفى رفعت إنذاراً لتسليم قوات الشرطة سلاحها، لكنه رفض أوامره، واتصل بفؤاد سراج الدين وزير الداخلية وكان رده «ماينفعش تسلم سلاحك حتى آخر رصاصة»، وأبلغ «أكسهام» أنه مش هيسلم السلاح، وكان ده يوم الأربعاء، وبدأ مصطفى رفعت والفنان صلاح ذو الفقار -كان وقتها ضمن ضباط شرطة القسم- وبدأوا يجيبوا «الشوالات» ويملوها بالرمال ووضعوها أمام القسم، وتمت التجهيزات، «بلوكات النظام» الاسم الذى كان يطلق على المجندين وقتها وقفوا أمام القسم لحمايته وكان سلاحهم هو عصاية خشب، أما ضباط الشرطة هم فقط كانوا المسلحين ببنادق «انفينى»، وكانت بنادق يدوية يتم إدخال الطلقة بطلقة، وكانوا فوق قسم الشرطة إلى أن جاءت القوات البريطانية بالدبابات «الشيرمان»، وقامت بحصار القسم وإطلاق دانات الدبابات على القسم، والوضع وقتها كان غير طبيعى وغير متكافئ، بلوكات نظام مش معاهم غير عصاية خشب وضباط معاهم بنادق يدوى عشان تحط الطلقة فيها تاخد وقت وفى المقابل «دانات»، ورغم كده الضباط المصريين لم يستسلموا وسقط منهم شهداء ومصابون.
كيف أصبحت المصور الخاص بالرئيس الراحل أنور السادات؟
- أنا كنت مصور خاص لـ«عثمان أحمد عثمان»، وكنت بزوره فى الفيلا الخاصة به، وهناك تعرفت على الرئيس السادات، وفى يوم عودته من اتفاقية كامب ديفيد، التقطت له مجموعة من الصور تبين استقبال المواطنين له، ووقتها عملت ضجة، ومن وقتها بقيت مصوره الخاص.
هل الرئيس السادات كانت لديه طقوس خاصة بالتصوير؟
- بالتأكيد وأهمها أن الرئيس السادات كانت لديه حساسية ضد فلاش الكاميرا، وكنا نقوم بشراء أفلام من الخارج اسمها «ترى إكس» وكانت حساسيتها عالية، وكان يتم تصويره بالليل فى ضوء القمر، وأشهر الصور المحببة إلىَّ، والتى قمت بتصويرها كانت لـ«البايب».