منذ أن أدركت طبيعة الأمور ونمى لدى الوعى الوطنى، وأنا أتساءل وأبحث عن سر وسحر الكرسى الذى يتقلده البعض وتراه اختلف وتبدل وتغير عن حالته الأولى بما ينعكس 360 درجة فى الصفات الشخصية والتعامل مع زملائه فى العمل.
فبدأت أتساءل لماذا يحاول البعض الوصول إليه بأى ثمن ومهما كانت التكاليف؟ لماذا يتناحر الناس عليه ولا يريد أن يغادره حتى اللحظات الأخيرة من حياته؟
فيبدو حقًا أن الكرسى يتمتع بسحر يفوق سحر خاتم سليمان، فالواحد منهم يكون وسط زملاءه عادى يعيش حياتهم الطبيعية وما تتطلبه الوظيفة من واجبات وحقوق أى أن يعيش حياة مهنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وعندما يتقلد منصب أو وظيفة عليا أو ترقية ما نجده يعزل نفسه ومكتبه يكون بمثابة قصر يحيط به سور عاجى لا يرى ولا يسمع سوى نفسه، وتراه يرى الجميع من علياءه صغارا. ويصبح الهدف الأول والأخير ليس كيف يطور العمل فى مكانه، وإنما هدفه كيف يحافظ على بقائه.
فحكى لى بعض الزملاء عن أحد المدراء عندما تولى منصب قيادى داخل المؤسسة فإنه تحول من إنسان يقدره ويحبه الجميع ويتبادلان نفس المحبة، إلى طاغية فى مكانه فنجده يفرض العقوبات ويطبق الخصومات ويصدر التوجيهات ويضع لوائح وأنظمة جديدة ربما كان يرفضها منذ أيام ولكنه يقبلها اليوم بكل ترحاب، فهذا يعكس لنا مدى التملق والتسلق لدى البعض دون مراعاة لأى اعتبارات ويكون ذلك على حساب أقرب الأقربين هم زملاء العمل الواحد.
فإن تكون قائدًا فيجب عليك استشارة من حولك وفى دائرتك ومكان عملك وأن تأخذ بعين الاعتبار كل فكرة أيًا كان قائلها وتعمل على دراستها ومناقشتها بما يحقق نجاح للمؤسسة، وأن تجعل العلاقات الاجتماعية والإنسانية مبدأ فى الإدارة وضمن أولويات التعامل مع الأخرين، وأن تتقبل الأخطاء بمرونة من باب أن لكل مشكلة حل، وليس لكل حل مشكلة كما يفعل بعض المسؤولين، حيث الانتقاد المستمر وفرض الرؤية الأحادية قد يخلق محيط سلبى متكاسل لا يبالى بمصلحة المؤسسة. ظننا من البعض أن الحزم يستدعى الوقوق على كل خطأ وتقصير يصل أحيانًا إلى القسوة العارمة، رغم أنها تكون أحيانًا مطلبًا للمتكاسلين لرفع الهمة.
فكم حدثتنا كتب التاريخ عن كراسى لفظت جالسيها؟ والحكمة تقول "لو دامت لغيرى ما وصلت إليّ" لكن من يتعظ؟! ومن ناحية أخرى نجد شخصيات شغلت مناصب وغادرت ويشار إليها بالبنان فى تواضعها وشفافيتها ومساواتها بين الجميع وحتمًا إنجازاتها التى اكسبتها الدعوة الطيبة والذكر الحسن.
وقانا الله شر الكراسى وأبقانا متربعين على كرسى المحبة والاحترام بين ووسط الناس.